رداً على مزاعم كثير من الطلبة ـ والزعم حسب اللغة العربية يحتمل الإصابة والخطأ ـ
بخصوص ورود خطأ في واحد من أسئلة مبحث الرياضيات في امتحانات الثانوية العامة التي
ما نزال نشهد جولات معاركها لهذا الفصل؛ انبرى السيد وزير التربية والتعليم، يؤكد
بعلو الصوت إجماع (30) معلماً للرياضيات على خلو الاختبار المتعلق بالمبحث المذكور
من أي خطأ! وتحت سطوة ذلك التصريح الواثق من الوزير الدكتور المهندس ـ الذي لا
نستبعد أن يكون قد عمد بحكم تخصصه الأكاديمي في الهندسة الكهربائية إلى مراجعة
الأسئلة بنفسه للتأكد من صحتها ـ أغلق الطلبة أفواههم وكظموا كيظهم، فمن هم ليشككوا
في تأكيدات وزير يتمترس خلف شهادات كتيبة من معلمي الرياضيات المخضرمين!
اليوم،
يباغتنا بعض المواقع الإلكترونية بخبر يؤكد، وبأدلة قوية يصعب نقضها، أن الامتحان
المشار إليه قد تضمن بالفعل سؤالاً خاطئاً استمد من دليل تعليمي يعود إصداره إلى
عقد السبعينيات من القرن الماضي! وبعرض الأدلة القاطعة على الوزير، التي سبق وأن
حاول بعض الأساتذة عرضها على الوزارة وتم إيصاد أبوابها في وجوههم بكل عنجهية وكبر
وصلف، رد معاليه في معرض تبريره للخطأ ـ الذي أنكر وجوده بالأمس فقط ـ بأنه "لا
توجد جهة معصومة عن الخطأ"!
على الرغم من صحة تلك المقولة الحكيمة، فالعصمة
بالطبع لا تكون إلا للأنبياء الكرام عليهم السلام، وكما نعلم فإنه لم يعد في دنيانا
الفانية من أنبياء، إلا أنني لا أظن بإمكان توظيفها على الإطلاق في سياق تبرير
الكارثة التي حدثت، فقد يمكن للإنسان بفعل العجلة أن يخطئ في اجتهاد ما، أو أن يزلّ
بتأثير من ضعف التركيز عن الصواب حيال تقدير أمر ما، أما أن يخطئ عشرات المعلمين
المتخصصين في الرياضيات في الحكم على مدى صواب مسألة رياضية عادية، جردوا كل
قدراتهم من أجل البت بقرار بشأن صحتها، فهذا ما لا يمكن تبريره وحدوثه، اللهم إلا
في بلادنا العربية البائسة، التي انهارت فيها قواعد المنطق العقلاني السليم منذ أمد
بعيد، وباتت تحتكم تماماً إلى توليفة مأساوية من العبث والفوضى والفهلوة
والجنون!
المؤلم أن أحداث تلك المهزلة المشينة تدور في الوقت الذي نقرأ فيه
نتائج دراسة نشرت مؤخراً تقول بأن براءات الاختراع التي سجلها الكيان الصهيوني في
عام 2008 وحده، والبالغ عددها (1166) براءة اختراع، تتجاوز حصيلة ما سجلته البلدان
العربية مجتمعة من المحيط إلى الخليج منذ أن بدأ المجتمع الدولي المعاصر بتسجيل
براءات الاختراع، التي لم تزد ـ ويا للبؤس ـ عن (836) براءة اختراع! لا أستغرب ذلك
إذا أردتم الحق، فهو شيء طبيعي ومتوقع تماماً، ما دمنا نلقن طلبتنا قواعد رياضية
جديدة "أبدعناها" نحن، ولا علاقة لها بقواعد الرياضيات التي يعرفها العالم!!!