لا جدال في أن هناك أزمة أخلاقية أصابت منظومة القيم الاجتماعية في بلادنا لا تقل تأثيرا عن الأزمات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي إصابتها في السنين الفائتة بفعل عوامل خارجية وداخلية ، ولكن الأزمة الأخلاقية التي تستفحل يوما بعد يوم وتمتد جذورها لتطال مختلف مناحي الحياة ينذر بكارثة مجتمعية وانهيار قيمي يستهدف آخر مميزات هذه الأمة و أحد أهم خصائصها وأركانها التي تقوم عليها ، وتعكس نفسها إعصارا مدمرا على البلاد ان بقي على حاله دون معالجه ، وتتجلى مظاهر الأزمة الأخلاقية في بلادنا في نواح عدة لا يمكن حصرها ،فاختلاس المال العام من قبل الكبار والصغار على حد سواء بات شكلا طبيعيا وعادة بعد أن كانت مرتبطة بقيم الكبار وحدهم ، وكذلك في استحسان المجتمع لذلك الفعل بسبب غياب الرقابة والمحاسبة الحقيقية والمتابعة القانونية لمرتكبي تلك الجرائم ، بل إن الأسوأ من ذلك ما يلقاه مرتكبو هذه الجرائم من دعم وغطاء رسمي من قبل الحكومات تبرز في أشكال عدة ، و تتنوع كذلك مظاهر الأزمة في استفحال ظواهر الرشوة والمحسوبية و التغيب عن العمل أوقات الدوام و التكاسل في أداءه ، وتتعاظم خطورتها الحقيقية بعدم الشعور بالذنب و في الهروب من أداء الواجب والانحطاط الخلقي والحرص الشديد على كسب المال بطرق غير مشروعه والجشع والطمع ونهب المال العام و الشعور بالهزيمة وعدم احترام العمل والتقصير في واجباته والركون وعدم المبالاة .
وكذلك تجلت الأزمة ببروز معايير ثقافية جديدة تشير إلى استحسان الناس لأفعالهم المشينة كأن يطلقوا على الجاني ألقاب مثل الشاطر والحوت وفاهم اللعبة !! وهو يلقى الاحترام والتقدير من قبل أفراد المجتمع ( ليس الجميع بالتأكيد ) و يلقى دعم ومساندة الجهات الرسمية التي استسلمت لقوة وسلوك الفرد هنا وأقامت معه شبكة من العلاقات تبرز أحيانا في شكل انضمامه لشلة أو فئة فاسدة يتلقى منها كل الدعم والمساندة ومباركة كل خطواته نحو مضاعفة وتكرار سلوك الفساد وتصل أحيانا لدعمه لتمثيل الشعب في مجالس نيابية أو مؤسسية يتولى إدارتها كما يجري ألان في قائمة الراغبين في الترشح للانتخابات البرلمانية القادمة !! وهو تطور غريب وعجيب دخل منظومة قيمنا وثقافتنا منذ سنين خلت وضاعت معها معايير القيم الأخلاقية الرزينة والمتماسكة التي كانت تتميز بها مجتمعاتنا ، وكانت أن أفقدت هذه السياسة الثقة بين الحكومات والناس وباتت الهوة واسعة حدا لا معقولا يكذب ويخون فيه الناس توجهات الحكومات ولا يبالوا بها حتى لو كانت مرتبطة بشكل عضوي بعوامل خارجية كارتفاع الأسعار أو سداد مديونية أو غيرها ، ومن هنا يشكك الناس هذه الأيام بجدوى المشاركة في الانتخابات لغياب شروط نجاحها والتشكيك بنزاهتها بسبب إجراءات سبقت تلك العملية مثل التسهيلات والدعم الذي يلقاه البعض والسماح لهم بمناقلات الناخبين من دائرة إلى دائرة وتنظيم حملات انتخابية ومهرجانات خطابية قبل وقتها !
ويرجع بعض الباحثين أسباب هذه الأزمة إلى بعض العوامل ومن بينها على سبيل المثال: ضعف النظام الرسمي وسوء الأحوال المعيشية والفقر والبطالة والاستبداد والإحباط وانسداد الآفاق لتحسن مستوى المعيشه ، وهي ظواهر وحقائق تعيشها بلادنا وتلعب الحكومات دورا هاما وأساسيا في بروز تلك الظواهر بسبب ضعف إجراءاتها المتعلقة بملاحقة وضبط ومراقبة المال العام وملاحقة مرتكبي تلك الجرائم والتهاون معهم حتى غدوا أنموذجا مقبولا لتكرار العمل ودخول فئات جديدة لممارسة تلك السلوكات .
الأزمة الأخلاقية تجلت وتتجلى في العديد من الظواهر التي تعيشها البلاد ، فالاعتداء على الدستور كذلك والتمسك بتوجهات فردية أو شللية مغايرة لنصوص الدستور بات حالة طبيعية ، ومحاولات ضبط حرية الكلمة وملاحقة أصحابها بقانون جرائم !! وخاصة في المواقع الالكترونية تعد أخلاقي على الحرية والإعلام وحرمان المواطن من الوصول الى المعلومة أو الخبر ، فيما تعقد صفقات المناصب العليا مع أبناء الذوات دون غيرهم وفرض إتاوات ورسوم وضرائب إضافية على طبقات مجتمع تعاني من الجوع والفقر يعد من وجهة نظر الحكومة عملا طبيعيا !! ، ومن هنا ، فكيف للناس أن تثق بحكومة تمارس هذه السلوكات بحق أبناء المجتمع !!!