زاد الاردن الاخباري -
محاولتان على الأقل شهدتهما الساحة السياسية الأردنية خلال الأيام الماضية لتعطيل قرارين للحكومة من قبل شخصية رسمية مرموقة.
الأولى تمثلت في محاولة إعاقة قرار حكومة سمير الرفاعي الأخير الخاص بحجب المواقع الإلكترونية عن قطاع الموظفين أثناء الدوام الرسمي وقد فشلت بوضوح، والثانية محاولة إعادة رئيس تحرير صحيفة يومية فصل من عمله تعسفا وفشلت هي الأخرى.
ما الذي يعنيه ذلك؟، سألوا في أروقة القرار فكان الجواب المرجعي إنها "الولاية العامة" لرئيس الوزراء وهي ولاية فيما يبدو ان سمير الرفاعي قرر الحصول عليها كاملة وبلا نقصان بل حصل على الأرجح على ضوء أخضر ومساحة "دلال" خاصة حتى ينجح في المهام الصعبة التي كلف بها.
عندما شكل الرفاعي حكومته وصف إعلاميا بالرجل العنكبوت، قبل أيام منح لقب الرجل الأخطبوط الذي يقرر ويمضي، فالرفاعي الشاب لا يستمع للتقديرات والتوجيهات إلا من جهة واحدة فقط يعرفها الجميع، ما دون ذلك يتعامل الرفاعي مع النصائح ومحاولات التدخل بالقطعة يعتمد ما يفيد ويرفض ما لا يعجبه او يعتبره خارج البرنامج.
وهذه القواعد يطبقها سمير الرئيس حتى على أركان وزارته، وهذا ما شعر به نائبه الأول رجائي المعشر الذي دخل ليقدم اقتراحا محددا بخصوص مقاطعة الإسلاميين للإنتخابات وخرج خالي الوفاض متذمرا من أن الرئيس رفض المقترح جملة وتفصيلا حتى قبل الإستماع للتفصيل.
نفس الأمر يعتقد انه حصل مع النائب الثاني الطازج الدكتور خالد الكركي، ففي أسبوعه الأول في حكم وزارة التربية والتعليم استقبل الكركي قادة الحراك التعليمي وخرجوا من عنده بانطباع يفيد بان الوزير الجديد سيلغي قرارات اتخذها سلفه ويعترض عليها الحراك التعليمي.
بعد أسبوع فقط إستغل الكركي أول مؤتمر صحافي ليعلن بأن وزارته لن تخضع لأي جهة وقال انه لن يوقع قرارا بالتراجع عن عقوبات سلفه إبراهيم بدران، التفسير الوحيد المنطقي ان الرئيس الرفاعي يرفض التراجع وان الكركي يحاول تجنب الإحراج فهو في النهاية وزير في حكومة وليس قائدا في الشارع.
حتى النائب الثالث للرفاعي وزير الداخلية نايف القاضي إعترض ثلاث مرات على ثلاث قرارات للحكومة ولم ينته اعتراضه بأي شيء.
إذا سألت أي جهة عما يحصل يمكن للرفاعي الشاب ان يجيب وببساطة إنها الولاية العامة للحكومة ولرئيس سلطة التنفيذ حسب الدستور وهي نفسها الولاية التي شكلت شعارا براقا خطب لصالحه كل من يخطب اليوم ضد حكومة الرفاعي، فالرجل يدير حكومة تعمل بدون برلمان وبدون تدخل مؤسسات شريكة في الحكم.
الشخص الوحيد في مؤسسة شريكة الذي حاول الضغط لإعاقة توجهات حكومة الرفاعي فشل مرتين وخلال أسبوعين فقط، ومؤسسة الديوان الملكي التي كانت تتهم بالتدخل في الحكومات في الماضي القريب يترأس طاقمها لاعب مخضرم ومعتدل من خارج معادلة الصراع ومراكز القوى ويشكل وجوده ضمانة توازن لجميع الأطراف وهو المهندس ناصر اللوزي الذي يلعب دورا مساندا لأداء الحكومة وميسرا لها.
السياسي المحنك عبد الهادي المجالي لاحظ في إحدى مجالساته المفارقة التالية: قامت الدنيا قبل ثلاث سنوات ونظمت حملات ضد شخصيات محددة في طبقة الحكم على أساس انها تعيق الولاية العامة لرئيس الحكومة، نفس الجهات التي حملت لواء استعادة الولاية العامة هي التي تشاغب بكثرة على رئيس الوزراء الحالي الذي يطبق الولاية بحذافيرها وبشقيها القانوني والأخلاقي بمعنى تحمل مسوولية كل صغيرة وكبيرة.
ذلك عمليا يخلق الإنطباع بعدم استقرار فكرة محددة على مستوى المجتمع السياسي إلا فكرة الشغب دوما بسبب أو بدونه.
رغم ذلك يعترف الرفاعي نفسه بان قراراته "ليست شعبية" ولن يحبها الناس، ففي جلسة خاصة لم تخصص للنشر سمعت "القدس العربي" مباشرة من الرفاعي وهو يشير الى ان الظروف العامة في البلاد والمنطقة لا تحتمل المجاملات على حساب الوقائع والحقائق ولانه شخصيا أسقط حسابات الشعبية من قاموسه وسيتخذ قرارات "مؤلمة".
إختصر الرجل فكرته الإدارية بالتالي: أهل المريض يعرفون بالعادة ان غرفة العمليات تشكل الحل الأخير لإنقاذ المريض وهذا شعور جميل يبعث على الأمل لكن بعد غرفة العمليات وفيها لا بد من القليل من الألم.
بالنسبة للبعض في الخارج قرارات حكومة الرفاعي خصوصا في الأونة الأخيرة صادمة،عرفية، قاسية،تأزيمية لكن بالنسبة للحكومة ورئيسها هذه القرارات ضرورية جدا لإنقاذ المريض وتأمين خروجه من غرفة العمليات إلى غرفة الإنعاش بأقل الأضرار.
قبل نحو عامين وعندما كان الرفاعي خارج الحكم سأله احد الصحافيين عن الزاوية الخفية في قصة اختيار الرؤساء والوزراء، الإجابة كانت كالتالي: المسألة تقررها طبيعة المهمة فإذا كان المطلوب إنزال لوحة عن حائط يمكن استخدام آلة تفكيك البراغي او سكين الفواكه لكن إذا كان المطلوب إزالة الحائط نفسه لا بد عندها من المهدّة "مطرقة عملاقة".
والده العتيق زيد الرفاعي قال في الحديث الصحافي اليتيم المسجل معه: أنا أؤمن بالإنضباطية في الإدارة العامة والحكم.
المشهد هنا واضح، الإبن الرئيس قد لا يبتعد في الأساسيات عن روحية مدرسة والده في الحكم، الأهم ان سمير الرفاعي رغم كل الصخب والجدل الذي يثيره مجرد رئيس وزراء يستعيد الولاية العامة و"ينفذ" ليس أكثر، طبعا في الطريق لابد من بعض الأخطاء او الغموض غير المبرر.
بسام البدارين- القدس العربي