زاد الاردن الاخباري -
بعد حالة من الانتظار والترقب استمرت أسبوعا وأثارت الكثير من علامات الاستفهام ليس في لبنان فقط وإنما في إسرائيل أيضا بل وفي كافة أرجاء العالم ، خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله على الملأ في 9 أغسطس / آب ليكشف بالوثائق والصور أدلة تورط إسرائيل في اغتيال رفيق الحريري .
وفي البداية ، أكد نصر الله أن إسرائيل عملت منذ 1993 على إقناع رفيق الحريري بأن حزب الله يخطط لاغتياله وخاصة بعد أحداث 13 أيلول من العام نفسه ، مشيرا إلى أنه بعد توقيع اتفاقية أوسلو ، نظمت المقاومة الإسلامية مظاهرة للاحتجاج على هذا الأمر في 13 يوليو عارضتها الحكومة اللبنانية حينئذ برئاسة رفيق الحريري مما أدى إلى وقوع اشتباكات أسفرت عن سقوط 10 قتلى من عناصر المقاومة و50 جريحا ومنذ ذلك الوقت حصل توتر وخصومة بين حزب الله والحريري ودخل الإسرائيليون على هذا الخط ومن خلال أحد عملائهم الذي اتصل بأحد عناصر الفريق الأمني للحريري تم إقناع الأخير بأن حزب الله يخطط لاغتياله .
وتابع " رفيق الحريري سارع لإبلاغ المخابرات السورية في هذا الوقت برئاسة غازي كنعان بأن بعض كوادر حزب الله من أبرزهم على ديب المعروف بـ أبو حسن سلامة وعماد مغنية وآخرين يخططون لاغتياله ".
وأضاف " تم اعتقال أبو حسن سلامة وكتبت رسالة في ذلك الحين للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد للاستفسار حول الأمر وبعد 6 أيام من التحقيق مع سلامة في دمشق تأكد أن تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة وتم إطلاق سراحه وعاد إلى لبنان وبعد ذلك اغتالته إسرائيل ".
وتطرق نصر الله إلى دليل آخر هام في هذا الصدد وهو ما حدث في عام 1996 عندما كان أمن المقاومة يلاحق عميلا لإسرائيل يدعى أحمد نصر الله كان يقوم بتصوير مواقع في الضاحية الجنوبية وبعد اعتقاله اعترف بأنه أبلغ أحد عناصر الفريق الأمني للشهيد رفيق الحريري بأن حزب الله يخطط لاستدراج الحريري إلى صيدا لاغتياله عبر قيام أبو حسن سلامة باغتيال شقيقته بهية الحريري ومن ثم يأتي الحريري ليتم تنفيذ المخطط ضده .
وأشار الأمين العام لحزب الله إلى أن العميل السابق تم تسليمه إلى السلطات الأمنية اللبنانية وأطلق سراحه في عام 2000 دون معرفة الأسباب وهرب إلى الشريط الحدودي ودخل إسرائيل ومازال موجودا هناك حيث يقوم بتجنيد عملاء جدد لإسرائيل ، ولم يكتف نصر الله بما سبق بل إنه بث شريط فيديو لاعترافات هذا العميل بعد اعتقاله .
وسرعان ما تطرق الأمين العام لحزب الله إلى عدة أمور تتعلق بأسباب اتهام إسرائيل بالتورط في اغتيال الحريري ، حيث أكد أن الرئيس السوري بشار الأسد أبلغه في 2004 قبل اغتيال الحريري أن قائدا عربيا قال له إن الأمريكيين لا يمانعون بقاء قواته في لبنان شرط نزع سلاح حزب الله والمخيمات .
وتابع أن هناك نقطة أخرى وهي الدافع والمصلحة حيث أن العدو الإسرائيلي كان ينتهز أي فرصة للقضاء على المقاومة ، بالإضافة إلى الإمكانيات التي يمتلكها كالاستطلاع الجوي والميداني من خلال العملاء والجواسيس والقوات الخاصة للاغتيال ، بالإضافة إلى سهولة دخوله إلى لبنان والخروج منه سواء عبر البحر أو الشريط الحدودي .
وقبل أن يستعرض أدلته الدامغة على تورط إسرائيل ، علق نصر الله على تساؤلات 14 آذار حول أسباب تأخره في الكشف عن تلك الأدلة ، مشيرا إلى أن الإجابة ستتضح في سياق حديثه .
اعترافات الجواسيس
وبدأ باستعراض شرائط فيديو مصورة لعدد من عملاء إسرائيل الذين تم اعتقالهم والتي سارت كلها في اتجاه كشف حقيقة الجاني الحقيقي في جريمة اغتيال رفيق الحريري .
والبداية كانت مع العميل فينيوبس حنا صادر والذي كان دوره أن يستطلع الأوضاع حول منزلي الرئيس اللبناني وقائد الجيش قبيل اغتيال الحريري ومدى بعدهما عن الشاطيء .
ثم تحدث عن الجاسوس سعيد طانيوس العلم والذي طلبت منه إسرائيل معلومات تفصيلية عن رئيس الحكومة اللبنانية الحالي سعد الحريري وعن قائد القوات اللبنانية سمير جعجع ووقت زيارة الحريري لمنطقة الأرز وقت كان جعجع هناك ، بالإضافة إلى من يذهب السياسيين اللبنانيين إلى مقاهي جبيل.
وأيضا هناك العميل محمود رافع الذي خطط لإغتيال رئيس مجلس النواب الشيعي نبيه بري عبر زرع عبوة في منطقة الزهراني في اواخر عام 2005 وبعد جريمة اغتيال رفيق الحريري .
هذا بالإضافة إلى الجاسوس أديب العلم الذي بدأ التعاون مع إسرائيل عام 1994 واعتقل في 2009 وكانت مهمته تصوير ومسح العديد من الطرق وأدخل بالتعاون مع زوجته العديد من معدات التجسس الإسرائيلية إلى لبنان ، كما أشار نصر الله إلى الجاسوس فيصل مقلد الذي نقل عناصر تنفيذية للعدو الإسرائيلي إلى داخل لبنان عبر البحر في عام 2006 .وهناك أيضا الجاسوس ناصر نادر وهو مسلم شيعي من الجنوب وبدأ التعاون مع إسرائيل في عام 1997 واعتقل في 2009 وكان ضمن المجموعة الإسرائيلية المنفذة لاغتيال القيادي بحزب الله غالب عواني في 2004 .
عملية أنصارية
وبعد استعراضه للمهمات الموكلة للجواسيس السابقين والتي أكدت جميعها أن إسرائيل لم تكن تركز على رصد مواقع المقاومة وإنما كانت تستهدف سياسيين وقيادات في 14 آذار من أجل تلفيق الاتهامات فيما بعد لسوريا وحزب الله ، تطرق نصر الله إلى دليل آخر دامغ على تورط إسرائيل باغتيال رفيق الحريري وهو العملية النوعية للمقاومة في بلدة الأنصارية في عام 1997 .
وأضاف في هذا الصدد " قبل عام 1997 تمكنت المقاومة اللبنانية من التقاط بث طائرة استطلاع إسرائيلية وبالتالي فإن الإسرار التي كانت تدخل غرفة عمليات العدو كانت تدخل مباشرة أيضا إلى غرفة عمليات المقاومة وهذا كان إنجازا هاما لشباب المقاومة ".
وتابع " كان هناك صعوبة في البداية في قراءة الصور والأفلام حيث كانت بحاجة لتخصص واحتراف لمعرفة القرية المقصودة والطريق المقصود والشخص المستهدف ، كنا نحتاج لإمكانيات ولم تكن قدراتنا الفنية تستطيع أن تلتقط كل ما تصوره طائرات الاستطلاع الإسرائيلية ".
واستطرد نصر الله قائلا :" توصلنا بعد أسابيع من قراءة بعض الصور والأفلام الملتقطة إلى أن هناك عملية إسرائيلية وشيكة في بلدة أنصارية وتم إعداد كمين وفي 5 أيلول 1997 جاء كوماندوز إسرائيلي نزل من البحر وسلك الطريق الذي كانت تستطلعه الطائرة الإسرائيلية وسقط 12 قتيلا إسرائيليا في العملية ".
ولم يقف الأمر عند ما سبق ، بل إن نصر الله عرض صورا لطائرة الاستطلاع الإسرائيلية وهي تصور عملية إخلاء القتلى الإسرائيليين في عملية أنصارية .
وأضاف أن عملية الاستطلاع في عام 1997 كانت تحضر لعملية اغتيال أبو حسن سلامة أو علي ديب حيث رصدت منزله في صيدا وأماكن تحركاته وبالفعل تم اغتياله في أغسطس 1999 ، كما تم اغتيال القيادي في حزب الله محمود المجذوب في عام 1998 في مدينة صيدا .
وفي إجابة صريحة على تساؤلات 14 آذار حول أسباب تأخره في كشف تلك الأدلة ، كشف نصر الله أنه بعد اغتيال رفيق الحريري قام بزيارة عائلته وطلبت منه أن يساعد حزب الله في التحقيق وتم تشكيل لجنة مشتركة وتم قراءة مسرح الجريمة وأعدت دراسة أولية حول عملية الاغتيال وحدثت تطورات سياسية وانتهى الأمر عند هذا الحد إلى أن جاءت مزاعم مجلة "دير شبيجيل" الألمانية قبل عام حول اتهام حزب الله بالتورط في اغتيال رفيق الحريري ، حيث تأكد حزب الله أن التحقيق الدولي بات مسيسا ولذا شكل فريقا لكشف ملابسات اغتيال الحريري وبالنظر إلى أن العملاء الذين شاركوا في عمليات اغتيال قد تم تهريبهم إلى خارج لبنان فقد تم الرجوع إلى الأرشيف وتحديدا الصور الملتقطة من طائرات الاستطلاع الإسرائيلية قبل اغتيال الحريري في 14 فبراير عام 2005 وتم المطابقة بين خريطة حركة موكب الحريري ووجود استطلاع جوي مسبق لتلك الأماكن .
واستعرض نصر الله في هذا الصدد صورا التقطتها المقاومة لعمليات استطلاع إسرائيلية وتحليق طائرات أواكس فوق مدينة بيروت والتقاط الصور من أماكن وزوايا مختلفة وخصوصا من الشاطيء البحري لتحركات رفيق الحريري قبل عملية الاغتيال وفي 13 و14 فبراير 2005 .
مفاجأة ما قبل الاغتيال
وركز في هذا الصدد على أن العدو الإسرائيلي كان يهتم بالمنعطفات في بيروت بالنظر إلى أن السيارات تبطيء الحركة في تلك المنعطفات وهو ما يسهل عملية اغتيال الحريري من وجهة نظر إسرائيل .
العميل غسان جرجس الجد
بل وفجر نصر الله مفاجأة كبيرة مفادها أن عميل إسرائيل غسان جرجس الجد كان متواجدا في منطقة العمليات في سان جورج في 13 فبراير عام 2005 أي قبل يوم واحد من اغتيال الحريري وفر من لبنان في عام 2009 ، مشيرا إلى أن مهمة الجد كانت استقبال وإخلاء عناصر الموساد المنفذة لعمليات الاغتيال .
وانتهى نصر الله إلى القول إنه كشف سرا الآن وسيكشف آخر حول خريطة تحركات عملاء وطائرات إسرائيل في يوم عملية الاغتيال إذا كانت هناك لجنة تحقيق دولية جدية وليست مسيسة تقوم باستدعاء ضباطا إسرائيليين كانوا يشغلون عملاء لبنانيين .
وأيا كانت وجهات النظر حول ما ذكره نصر الله من أدلة ، فإن هناك عدة أمور تستحق الاهتمام وهي أن توالي سقوط شبكات التجسس الإسرائيلية في لبنان في العامين الأخيرين أكد مدى تغلغل الموساد في لبنان ، بالإضافة إلى أن التفجيرات توقفت بعد اعتقال أكثر من مائة عميل لإسرائيل وهو ما يدعم إلى حد كبير ما جاء في خطاب نصر الله .أيضا ، فإن الأدلة السابقة زادت الشكوك حول جدية لجنة التحقيق الدولية حيث اتهمت في البداية سوريا ولم تقدم أدلة وسرعان ما اتجهت لاتهام حزب الله بل إنها لم تكشف تفاصيل عملية الاغتيال مثلما جاء في تصريحات نصر الله ولذا فإنها ستعري نفسها إذا لم تتعامل بجدية مع المعطيات الجديدة ، بل إن هناك من أشار إلى أن لجنة التحقيق الدولية نقلت الوئائق والتحقيقات اللبنانية حول الجريمة عبر إسرائيل وهذا هو السر الذي سيركز عليه نصر الله في الفترة المقبلة.
وبجانب ما سبق ، فإن استعراض نصر الله لعمليات اغتيال مشابهة لما تم تنفيذه في جريمة اغتيال الحريري وتحديدا فيما يتعلق بالاستطلاع الجوي ومراقبة الشاطيء اللبناني هو أمر يؤكد تورط إسرائيل ويفضح الأصوات التي خرجت من داخل لبنان وتشكك في المعطيات الجديدة رغم أنه من المفترض أن يتعامل التحقيق مع كل كبيرة وصغيرة في هذا الصدد .
والخلاصة أن نصر الله عندما اتهم في 3 أغسطس إسرائيل صراحة باغتيال الحريري وتعهد بكشف الأدلة في هذا الصدد في 9 من الشهر ذاته كان يستند لوقائع ملموسة بل إنه أكد للجميع أن تل أبيب لجأت لتشفير عمليات الاستطلاع بعد عملية أنصارية وهو ما برهن على صحته أحد الخبراء الإسرائيليين بعد دقائق من انتهاء خطابه ، الأمر الذي يعطي مصداقية أكثر وأكثر لتصريحاته.
الصور والوثائق التي عرضها نصر الله