ما استفزني كثيراً كي أكتب هذه المقالة ، مقابلة كنت اتابعها على قناة اقتصادية عريية ، كان ضيف البرنامج قائد لأكبر سلطة و مؤسسة اقتصادية في الاردن .
و الله و بدون مبالغة ، أكاد اجزم بأن اجاباته كانت بعيدة كل البعد عن فحوى الاسئلة المطروحة ، بل اعتقد بان إدارة البرنامج أدركت بأن هذا المسئول يعيش في عصور خلت مع القيادة والادارة التقليدية ، وهو بعيد كل البعد عن أي دراية في عالم الاقتصاد ، او خطط الاستثمار، أو التقدم والابتكارية في توفير الخدمات، و التكاليف المترنبة عليها والجدوى من الانفاق لتطويرها و استثمارها و منهجيات ضمان استدامتها ، كذلك وجدت ضعف في معلوماته عن ما وصل إليه العالم من تقدم في مجال تكنولوجيا المعلومات، و عدم اطلاعه على مفهوم الحكومة الاكترونية في الوقت الذي تحولت الكثير من الدول الى مفهوم الحكومات الذكية، و ضاع في مصطلحات أكل عليها الزمن و شرب ..
واقعنا أصبح مؤلم ، شركات و مؤسسات تتراجع في خدماتها و انتاجها و تطورها و تطوير كوادرها البشرية العاملين فيها ، و ما زالت اداراتها جاثمة علي عروشها لم تتغير ، بل بالعكس ، تتنقل من مؤسسات تُديرها الى مؤسسات أكبر و برأس مالٍ اضخم ، و فشلها يُعني دماراً و خراباً أكثر و أكبر ..
متى ستتحول المؤسسات و الشركات العامة ، من ريعية للمسؤولين الجاثمين على اداراتها و مجالسها و لجانها ، و تنفق على عائلاتهم و محاسيبهم و حاشياتهم ، الى مؤسسات دولة تقودها قيادات كفؤة متمكنة قادرة على تطويرها وتطوير الخدمات التي تقُدمها ، لتصبح مزود و مورد اساسي من موارد موازنة الدولة و ليست عباً عليها .
إن هذه العقلية في ادارة مؤسسات الدولة يجب أن تتغير ، كيف لا و نحن نشاهد أن الكثير من الدول كنا نتقدم عليها ، وتحتاج لعشرات السنين حتى تصل لما وصلنا اليه ، الا أن هذه الصورة انقلبت تماما ، و أصبحنا نحن من نحتاج لعشرات السنين من العمل الجاد حتى نصل لما وصلوا اليه ، لذلك حان الوقت و ربما تأخرنا كثيراً ، لوقفة صدق مع الذات ، وقفة فيها روح الانتماء و الحرص على أن لا يفوتنا الزمن ، ونصبح خارج التاريخ .
و هذا لن يتأتى ألا اذا تم استثمار القيادات ذات الخبرة و الاطلاع الواسع ، لما يحصل في العالم من تطور شامل وعام ، نحتاج لوضع القيادات الكفؤة قولاً و فعلاً على رأس هرم هذه المؤسسات و الشركات و مجالس اداراتها ، نحتاج لمن يُفكر و يخطط و ليس لمن يرمي بأخطاءه في ادارة مؤسساتنا ، مُدعياً بأن هذه من رؤى جلالة الملك ، اننا نحتاج لمن لديهم عقلية تحليلية و رؤية واضحة و قابلة للتطبيق ، تواكب أفكار و مشاريع العصر و التقدم الفكري و التقني العالي كي نلحق بركب الدول المتقدمة ومن سبقنا من الامم ..
الكاتب : م. سليمان عبيدات