سألني أحدهم سؤالا عن مدى صحة اهتمام الإمام جلال الدين السيوطي بجانب مسكوت عنه
إلى حد كبير في حياتنا الخاصة ، وهو العلاقة الخاصة بين الرجل والمرأة ، خاصة وأن
الإمام السيوطي شهير بتفسيره للقرآن الكريم المعروف بتفسير الجلالين ، فقلت له أن
هذا الكلام صحيح ، بل إن له أكثر من عشرة مؤلفات في هذا الباب ، وكثير منها مطبوع
ومتداول بين أيدي الناس ، أكثر من ذلك ثمة تراث ضخم من المؤلفات المماثلة لكبار
العلماء ، كلها تنشغل بما يجري من علاقة خاصة بين الرجل والمرأة ، وعلى نحو تُصنف
وفق معيار هذا الزمان على أنها كتب إباحية ، وهي ليست كذلك طبعا ، بعد أن اختلفت
المفاهيم واختلطت المصطلحات ، وأصابها ما أصاب حياتنا فوضى في جميع مناحيها،.
كثيرا ما تحرجت من الكتابة في هذا الموضوع ، رغم قناعتي أن الإنسان الفاشل
في غرفة النوم لا يمكن أن ينجح في أي عمل ، لأن ما يجري هناك حاجة إنسانية أودعها
رب العزة في الكائنات الحية شأنها شأن أي حاجة عضوية ووجدانية ، لا تستقيم الحياة
بدونها ، ومن هذا الباب انشغل عدد غير قليل من علمائنا الأجلاء وبطريقة راقية بما
يمكن أن نسميه "فقه الجنس" وهي تسمية يمكن أن تخدش مسامعنا للوهلة الأولى ، لكن بعد
قليل من التأمل سنعرف مدى واقعيتها،.
من السهل هنا أن يطلع علينا أحد
القراء ليقول: أنت في إيش والناس في إيش(،) وهذا أمر محق للوهلة الأولى ، ولكن
الجواب سيزيل ضبابية الرؤية ، حين نعلم أن حياة الإنسان ، والكائنات الحية الأخرى ،
تبدأ بنطفة ، هي أصل الحياة ، وبالنسبة للبشر تكتنف عملية الخلق الإلهي مشاعر
إنسانية وآداب راقية ، لا بد من أن يتعلمها الإنسان ، ضمن بيئة نظيفة ، وضمن أبواب
وشبابيك مفتوحة ، كي لا يلجأ إلى الخوض فيها تحت الأرض همسا ، وفي سياق بيئة مشوشة
ومن لدن رفاق سوء غير مختصين ولا معنيين ، الأمر الذي قد يدمر هذا الجانب في حياة
الفرد ، ويعيش بقية حياته في شقاء مقيم ، دون أن يجرؤ على الشكوى بدعوى "العيب" مع
أن العيب الحقيقي هو أن لا نعرف كيف نعيش حياتنا بشكل صحي ونظيف ومستوْ مع قيم
ديننا العظيم ، الذي لم يجد غضاضة في أن يعلمنا كيفية التصرف في كل شأن من شؤوننا
الحياتية الخاصة والعامة ، ما دفع العلماء الكبار إلى عدم استثناء هذا الموضوع من
اهتمامهم وتآليفهم ، فتركوا لنا إرثا ضخما من الأدبيات المتكئة على أصول شرعية لا
مراء ولا جدال فيها.
المجتمع السوي هو الذي يتصالح مع نفسه ، ولا يعالج ملفا
دون آخر ، بل يهتم بجميع الملفات على القاعدة ذاتها من الاهتمام ، ولكن في سياق
رؤية نظيفة لا تشيع الفاحشة بل تمنع وقوعها وتجتثها من جذورها ، ولا يتأتى هذا إلا
إذا تفقهنا في شؤون ديننا كلها ، فلا حياء في الدين ، وخيركم خيركم لأهله ، وأنا
خيركم لأهلي ، كما جاء في الأثر النبوي ، والخيرية هنا مفتوحة على مصراعيها وتشمل
كل ما له علاقة بالأهل،.
hilmias@gmail.com