شهر رمضان هلت بشائره ودنت رحماته وفاح أريجه وانتعشت الروح المتعبة من تبعات الحياة الضنك التي نعيش، فنحمد الله حمد الشاكرين الطائعين الشاعرين بتقصيرهم أن بلغنا هذا الشهر العظيم، ولا يخفى على كل مسلم ما لرمضان من مكانة عظيمة في قلوب وعقول من يعرفون قيمته ويقدرون فضله وخيراته، كيف لا وهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، شهر كله هبات وعطايا ومنن من الحق سبحانه وتعالى.
إن لهذا الشهر العظيم الكثير من الخصائص التي ميزته عن باقي الشهور ففيه أنزل الله جل جلاله القرآن، وفيه تفتح أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد مردة الشياطين، وفيه تتضاعف الحسنات من الله جل وعلا لعباده الصائمين القائمين الذاكرين الحافظين لألسنتهم عن غيبة الناس وتحقيرهم، وأعينهم عن النظر فيما يغضب الله تبارك وتعالى، وفيه الليلة المباركة ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر ومن حرم أجرها فقد حرم خيرا كثير، وفيه وقعت أحداث جسام كان لها الأثر البالغ في مسيرة هذا الدين الحنيف كغزوة بدر الكبرى وفتح مكة وغيرهما من الأحداث المؤثرة، فبالتأكيد لم يكن شهر رمضان عند سلفنا الصالح شهر طعام ومسلسلات وهدر للأوقات دون فائدة دينية أو دنيوية.
ولأنني أدرك تماما أن الجميع أو الغالبية تعرف هذه الأشياء أريد أن أذكركم ونفسي بشيء بسيط هو أنني أتكلم من باب التذاكر لا من باب الفلسفة وإلقاء الخطب والمواعظ، ولكنني أذكر نفسي وإياكم في ظل هذه المعمعة التي نعيش، في هذا الزمن الذي تغيرت فيه المفاهيم، فأصبح الخمر مشروبا روحيا، والربا المحارب صاحبه من الله ورسوله فائدة، والرشوة إكرامية، والمقامرة عمل خير، والنصب فن وذكاء، والطيبة هبلا وسذاجة، والسفور رقي وحضارة، والتستر تخلف ورجعية، والزنا والمجون أصبح فنا وأهله أصبحوا نجوم، لذلك كله وأكثر حاولت أن أوجه أنظار كل من يقرأ هذه الكلمات كي يخلو بنفسه ساعة ويفكر، هل كل هذه الدعاية والإعلان عن مسلسلات هابطة فيها من السفور والفجور ما يفوق الجاهلية الأولى ولكن مع وجود دين حنيف تجاهله الكثير من أهله بل وراحوا يطعنون به، وبرامج سخيفة لا فائدة مرجوة منها إلا إضاعة الوقت الذي في الأيام العادية كما رمضان سيسألنا الله سبحانه وتعالى عنه، ولكن في رمضان لكل دقيقة وزنها وقيمتها العظيمة، فعلى المسلم الفطن أن يغتنم هذه الفرصة الذهبية فمن يدري من سيدرك رمضان القادم منا ومن سينتقل إلى الحياة الآخرة قبل ذلك.
فعلينا أن ندرك أن الله سبحانه وتعالى يمتحن إيمان العبد كلما اشتدت به الخطوب وزادت المحن ليعلم الصادق في عبادته من غير الصادق، فالله هو المطلع على ما تكنه الضمائر، فيتوجب علينا في هذا الشهر العظيم أن نصومه بنية صادقة إيمانا واحتسابا لله تعالى، وأن لا نقطع يومنا الطويل في النوم، وأن نكثر فيه من قراءة القرآن الكريم، وأن نكثر فيه من الدعاء والاستغفار والذكر والتضرع إلى الله عز وجل، وأن نحافظ على الصلوات الخمس والتراويح والقيام جماعة في بيوت الله تعالى، وأن تصوم وتمسك جميع جوارحنا عما حرم الله عز وجل، فضبط الأمور ينبغي أن يكون ميزانه شرع الله تعالى وسنة الحبيب عليه الصلاة والسلام، فرمضان ليس بالخيم الكاذبة التي تسمي نفسها خيما رمضانية، ولا بالموسوم الرمضاني الذي يتشدق به أهل التمثيل، فالمسلسلات كما شاهدنا مجبرين بعض مقاطعها التي أعلنوا عنها مليئة بالفحش والسفور والتعري والمواضيع المضلة التي أفسدت بناتنا وشبابنا، فالحذر الحذر إخواني وأخواتي، لنحرص على استغلال أوقات رمضان بالطاعة واستحضار التوبة وليكن حبيبنا المصطفى ضيفنا كل يوم في بيوتنا عن طريق استحضار سنته المعطرة في حياتنا كلها، مبارك عليكم الشهر الفضيل وجعلكم الله من عتقائه، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأعاننا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان.
إخواني وأخواتي ها هو رمضان قد أقبل وهو فرصة ذهبية بل ماسية ماثلة بين يديكم فاغتنموها، واستعدوا لهذه المحطة الإيمانية كي تشحن قلوبكم بالإيمان، وتملأ أنفسكم الزكية بالرضا واليقين، فإن لنا رب كريم مطلع على حالنا وحال أمتنا الإسلامية، فلعل دعوة صادقة من مؤمن صادق صائم قائم تصادف ساعة إجابة في هذا الشهر الفضيل فيغير الله حالنا الذي يرثى له إلى أحسن حال إنه ولي ذلك والقادر عليه.
بقلم: أحمد عطاالله النعسان
Abomer_os@yahoo.com