يتشدق البعض من الإعلاميين والكتاب لغايات في أنفسهم إلى اعتبار أن مقاطعة الانتخابات والدعوة لها هو قرار عدمي وفوضوي وعبثي !! ويحملون الحركة الإسلامية جل تلك الدعوة \" العبثية \" دون علم أو بعلم ما واجهته وتواجهه الحركة من تضييقات عامه شملت مختلف جوانب العمل الإسلامي ابتداء من التزوير والتوجيه الذي جرى في الانتخابات البلدية السابقة ومرورا بالتزوير والتلاعب الذي شهدته عمليات الانتخابات البرلمانية السابقة والتضييقات المتعددة لنشاطات وفعاليات الحركة وأخرا وليس أخيرا السطو العرفي على جمعية المركز الإسلامي بدعاوي الفساد والضبط رغم أنها تملك مؤسسات تعليمية وصحية واجتماعية وخيرية عملاقة ونموذجية ما كانت لتنجح وتتقدم لو كانت بعهدة الحكومات أصلا !
الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات يندرج ضمن حرية الأفراد والأحزاب وليس من حق احد أن يوجه اتهاماته جزافا بحق من يدعو للمقاطعة ، فأن كان الوطن للجميع كما يدعي البعض من إعلاميين وكتبة أعمدة وساسة أيضا ومستعرضين قوة ودرجة ولائهم للحكومات لغايات غير خالصة للوطن والشعب ، فلماذا اقتصر إصدار القانون الذي يهم الوطن والمواطن على بضعة أفراد تدارسوه واعدوه في غرف مظلمة وأصدروه من برجهم العاجي وطالبوا الناس الخضوع والالتزام به رغم أن المسيرة الديمقراطية قد بدأت منذ أكثر من عشرين عاما ولم يجري تجذيرها وتطويرها كما تجري العادة عند الشعوب عامة ، بل إنها تشهد تراجعا كبيرا لا يشير بالمطلق إلى رغبة الحكومات بناء الوطن الديمقراطي الذي نحلم به ، وان كان الوطن للجميع فهل يمكن لأولئك المتشدقين أن يؤكدوا لنا أنهم مارسوا حقهم الديمقراطي باعتبارهم فئات مثقفة متعلمة ومسيسة في إعداد القانون أو إصداره !! وهل يمكن لهم أن يعبروا عن رأيهم بحرية وقناعة حول تقييد حرية الكلمة والوصول إلى الخبر بعد ان أصدروا قانون الجرائم سيء الصيت !وحالوا دون تمكن موظفي الدولة من مداولة المواقع الالكترونية !! هل يمكن لهم إقناع الناس أن الوطن بات بفعل سياساتهم مزارع إقطاعية لبعض العائلات والشلل والمحاسيب ، وان القانون كغيره من القوانين المعدة ليست إلا في صالح التحالفات الطبقية ولحماية مصالحهم ورعايتها بغض النظر عن تأثيراتها السلبية على أغلبية مواطني الوطن .
كانت مقولة الوطن للجميع حاضرة في أذهان الناس يؤمنون بها إيمانهم بالله والوطن والملك ، ولكن فساد الحكومات وظهور ثقافة العائلات الحاكمة التي تتوزع خيرات ومقدرات البلاد وانتشار مظاهر الشللية والمحسوبية و التي أسست لها حكومات سابقة ورسختها هذه الحكومة بفعل سياسات تكسيب وتوزير المحاسيب وتنصيبهم في درجات الإدارة العليا لمؤسسات الدولة أصاب الناس بالإحباط وأعاد إلى الأذهان النظام الإقطاعي العفن يحث يتوزع الناس بين طبقتي السادة والعبيد !!
إن بناء الأردن الوطني والديمقراطي القوي يتطلب إقرار قوانين ديمقراطية يشارك بها الجميع ، ويتطلب محاربة حقيقية لمظاهر ومؤسسات الفساد والمحسوبية التي نادى جلالة الملك عبدالله بمحاربتها والقضاء عليها من اجل إكمال بناء الوطن الذي نريده ، وقد لخص الدكتور عبد الشخانبه رئيس هيئة مكافحة الفساد في كلمة له قبل زمن بقوله : إن اخطر ما يؤديه الفساد هو شعور المواطن بعدم العدالة والقضاء على مفاهيم الديمقراطية والحرية ورفضه التعامل الايجابي مع توجهات السلطة !!!
فأن كنا نريد وطنا قويا وحرا فعلينا توجيه الأقلام نحو مكامن الفساد ورجالاته ومؤسساته لنهيئ من جديد وطننا خال من تلك المفاسد والمكاره الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية التي تضيق الخناق على روح ونفس المواطن ومعيشته وتنذر بكارثة بل وبكوارث قد تهدد استقراره وحتى وجوده ، فالدعوة إلى المقاطعة لم تعد توجها حزبيا لذلك الحزب أو غيره ، بل هي دعوات مواطنين عاديين يرون أن وطنهم يتعرض لمؤامرات داخلية يحيكها بعض الساسة من أبنائه بفعل إصرارهم وتوجههم بل وتاريخهم لإبقاء الوطن ضعيفا ممزقا لا طائل ولا فائدة من إصلاحه إلا بالقدر الذي ينهلون من خيرات مؤسسات يصرون على إنهاكها وليس الإمساك بها وتمتين أسسها المتداعية أصلا !! فحين نغلق أعيننا عن الفساد ونصمت لننال بعضا من فتات الفاسدين فتلك هي الجريمة التي نرتكبها بحق الوطن !! وحين نتغنى ونشيد بسياسة الفاسدين ونداعب مشاعرهم بأقلامنا فأن الجريمة تتحول إلى خطيئة ارتكبناها بحق الله والوطن والملك .!!
وباعتقادي ان نجاح الناس في المقاطعة من مختلف أحزابهم وانتماءاتهم ستكون الخطوة الصحيحة باتجاه تقويم الاعوجاج الذي جرى ويجري في عملية البناء الديمقراطي الذي تصر الحكومة على مواصلته بالرغم من ضعف الأسس اللازمة لعملية استكمال البناء .