يغيظني المسؤول عندما يعلن مسبقاً عن نيته القيام بزيارة تفقدية، وعندما ينفذ الزيارة يجد كل الأمور عال العال، وأنَّ كل الشكاوى كاذبة وكيدية ولا وجود لها على أرض الواقع. وأعجب من هكذا مسؤول كيف يرضى أن ينقاد لبرنامج يحدد خطواته وخط سيره، ولا يخرج عنه قيد أنملة.
أذكر أنّه في إحدى السنوات، حُدد يوم لافتتاح مدرسة جديدة في منطقة نائية، وكانت المدرسة شبه خاوية، وخلال 72 ساعة تم تجهيز المدرسة على أفضل ما يكون بإشراف مباشر وميداني من مدير التربية، وتعاون جميع أقسام المديرية. وحضر الوزير ومسؤول كبير آخر، وافتتحا المدرسة التي وجداها في أعلى درجات الجاهزية، وغادرا المنطقة دون أن يفكرا بزيارة أية مدرسة أخرى في المنطقة مع أن بعضها خرابات، لا تسر صديقاً ولا تغيظ عدواً!!
أظن أنَّ المسؤول يُدرك أنَّ هناك خللاً ما، وأنَّ وراء كل شكوى حقيقة مرَّة، ولكنه لا يحب أن يصطدم بالواقع الأليم، حتى لا يتحمل مسؤولية تغييره، لأنَّه أعجز من أن يُغير، ويفضل أن يعلن عن خطواته وحركاته مسبقاً، ليترك المجال للآخرين للمكيجة والتجميل وبالتالي تزييف الواقع، فالمسؤول في معظم الأحيان لا يمتلك رؤيا للتغيير، وغير مستعد أن يتعب نفسه من أجل إصلاح الخلل، فالأمور كانت هكذا قبله، وستكون كذلك من بعده، ولا مانع من أن تبقى كما هي في عهده الميمون، ولم يصدع رأسه ويتعبها، في أمور لم يكن مسؤولاً عنها، ولن يسائله أحد بشأنها، ويكفي أن يخرج ناطق إعلامي للتبرير والترقيع، وكفى الله المؤمنين القتال !!
تروي الذاكرة الشعبية أنَّ خطيباً عندما كان يزور خطيبته، كان يجد كل شيء تمام التمام، فالخطيبة آية في الأناقة والنظافة والجمال، والبيت قمة في النظافة والهدوء والترتيب والنظام، والأطفال روعة في كل شيء وخاصة أدبهم الذي ينقط عسلاً. وذات يوم اضطر أن يزور خطيبته لأمر مهم لا يحتمل التأجيل، ولم يكن ثمة هاتف ليخبرها، ولما أصبح على باب منزل الخطيبة، ظن أنَّه أخطأ العنوان لأصوات منكرة سمعها من الداخل، وصراخ وعويل وضرب وسباب وشتائم، ولما قرع الباب فتحت له خطيبته الباب بعد انتظار، فأنكرها لما رأى من هول منظرها، ولما دخل خيل إليه أن يدخل ساحة حرب وميدان معركة، وما زالت الأصوات تتعالى من الداخل، ففرك عينيه لحظات، ثم ضرب رأسه بكفه، ولما أدرك أخيراً أنه يعيش واقعاً حقيقياً، فسخ الخطبة وولى هارباً، وحمد الله أنه وقع على الحقيقة قبل أن تقع الفأس في الرأس!!
والسؤال لكل مسؤول: متى تفسخ خطوبتك مع كل مرؤوس مقصر لا يقوم بالحد الأدنى من واجبه الموكل إليه، ومتى نسمع عن زيارات فجائية بهدف استقصاء الواقع المر والوقوف على الخلل، بغية الإصلاح، أسوة بسيد البلاد وقائدها الملك عبدالله الثاني ابن الحسين الذي كانت له صولات وجولات في هذا الشأن، كما كانت لأبيه الملك الباني من قبل، وكما كانت لكل حاكم يحرص على راحة شعبه وأمنه واستقراره؟؟ أم أنكم لا تجرأون أن تخرجوا من أثوابكم، ولا تجدون أنفسكم إلا على كراسيكم ووسط حاشيتكم وأزلامكم؟؟!!
mosa2x@yahoo.com