إستيقظت في اول يوم من رمضان منطلقا" للعمل ، فما أن دخلت مكتبي أدركت أنني صائم فلا قهوة ولا سيجارة يا إلهي كيف سأقضي يومي فانا مدمن- عافاني وإياكم الله- من هذا الإدمان ، فبدأت بإنجاز ما هو مطلوب مني من عمل ، أقلب الاوراق ولكن – هيهات – أن أنسى السيجارة وكانها مرسومة على كل ورقة من الأوراق ، إستعذت بالله من الشيطان الرجيم وقمت بتأنيب نفسي – الردية – فقلت لها طبعا" وبظاهرة صوتية خفيفة : إستحي واخجلي على نفسك فانا صائم ، فكان ذلك مدعاة لإنجاز المعاملات بأكثر سرعة من قبل وما ان خبى شكل ولون السيجارة عن الاوراق حتى بدات تتسلل رائحة القهوة واتخيل مذاقها ونكهتها الرائعة وكانها في فنجان يتجلى بطلتة البهية فبدات عيني – بالزوغان- لتسقط الاوراق من يدي لأنبه – نفسي الردية – مرة أخرى ، عيب حرام ، فأستكانت ولكن على مضض .
أنجزت أعمالي وحان موعد مغادرة العمل ، يا إلهي ، لقد عانيت من سراب السيجارة ووهم فنجان القهوة ، فانطلقت مسرعا" بسيارتي لأشتري حاجيات المنزل لمعركة الإفطار ، وفي طريقي تفاجات بسيارة امامي تارة تذهب يمينا وتارة يسارا" فدست بعنف على – زامور – السيارة لعل السائق ينتبه وياخذ مساره الصحيح فما إن تنبه إلي حتى وجدته يخرج نصف جسمه العلوي من شباك سيارته يصيح بوجهي هائجا" وقائلا : " إيش مالك ...إنت إللي فتح عيونك ... ترى الواحد مدخنة معاه فحل عنا مش ناقصنا ( ......) "، فتمالكت نفسي لبرهة من الوقت وتذكرت عدد الضحايا الذين يتساقطون على الشوارع نتيجة العنف المجتمعي ، وتذكرت بإنني ولله الحمد إنسان وليس ( ......) كما يدعي ، وألتمست له عذرا بأنه قد يكون مثلي مدمنا على القهوة والدخان فقمت بالإصطفاف في جانب الطريق لأهدأ من روعي وبخاصة بانه في مثل هذه المواقف تساعدني السيجارة على تجاوز العقبات ولكنني أدركت إنني صائم – الله يلعن الشيطان – ففتحت نافذة السيارة ولكن وبصورة مفاجاة جاءت مني نظرة على سيدة واطفالها منشغلين بإخراج بقايا اطعمة من حاوية النفايات وقسمات وجوههم فرحة بعطاء يومهم هذا ....
حينها وعلى حين غفلة مني وجدت دموعي تنهمر على وجنتي ، متسائلا" في قرارة نفسي من أجل – السيجارة – -قبحها الله- لا نتمالك أن نسير حياتنا كما ينبغي ، فما بالك من نساء وأطفال يعيشون بمرارة الفقر والجوع لا يجدون في صباحهم او مسائهم لا خبز ولا طعام وتمضي الحياة بهم يجوبون الأزقة والشوارع لجمع بقايا طعامنا من الطرقات ونحن نتلذذ بحلو الطعام وطيبه بأشكال والوان وأخذتنا الحياة بزينتها ولذتها عن هؤلاء المحرومين ، إستذكرت كلام أمي وأبي لنا حينما كنا صغارا" ، وعندما تسقط من أيدينا الأطعمة على الطريق ونهم بألتقاطها ليمنعنا صراخهم عن ذلك وقولهم لنا " خلص أتركها لحسها الشيطان " فأستقيظت من سبات أفكاري هذه لاجد المرأة واطفالها غادرت ورحلت ، فمسحت دموعي وأستغفرت ربي قائلا" : لا تؤاخذنا يا ربي على قسوتنا ، فقد ( لحس ) عقولنا الشيطان ، -فالحمدلله- الذي بلغنا رمضان فلولاه أجزم باننا سننسى من أخذهم الجوع والحرمان ، فيا باغي الخير أقبل ففي رمضان فرص بل فرص للإحسان فشمر عن ساعديك ولا تتوانى في إطعام الجوعى والمحرومين فلعل دعاءهم إليك سيلاقي القبول من ربنا العظيم المنان .