رَحِمَ اللهُ امرءًا سمع حُكما فوعى , ودُعِي إلى رشاد فدنا , وأخذ بحجزة هادٍ فنجا , ( أخذ بحجزة هادٍ : أي التجأ إليه واستعان به ) , وإني لا إخال عاقلا حكيما نبيهًا , يحث مطية العقل لمنابع السلامة وروافدها , ثم يُعْرِض أو يميل بوجهه عن رأي الغيورين على وطنهم , والمنافحين عن مقدراته وإنجازاته , ومن ذا الذي يجادلهم في مقاتلة الشر ومحاربة الفساد , وهاهم أولاء يدلون بوشلٍ من بحر الحقيقة , وثمدٍ من قطرها , حتى تنقشع ظلمة الإبهام , وتنحسر سدفة الشك , وهيهات يأخذ هؤلاء في شعاب الرجم , أو يضربون في أودية الحدس , وإنما ينطقون باليقين , ويهتفون بالحق , وهم – بإذن الله – سائرون بثقة وطيدة وعزيمة أكيدة , وإنهم لفائزون , وبالغون الضفاف , لأنّ مراميهم عالية وغاياتهم سامية , ويحدوهم طموح كبير , وأهداف نبيلة في بناء دولة ناهضة , كما أرادها الهاشميون , ولا شك بأنّ خطابات التكليف السامي شاهدة على ذلك .
لقد أفضت حكومتكم الموقرة إلى طور يترجم أولها عن آخرها , وتشرح مواردها مصادرها , فقد صدر منها ما يكاثر الحصى عند جمرة العقبة , من قوانين مؤقته , وأوامر ينفر منها المواطن نفور المعزى من وعوعة الأسد , وأشدها وقعا هو حجب الصحف الالكترونية , وهل تعتقدون أن المواطن في قرن الواحد والعشرين , في غيهبٍ عن معرفة الحقيقة , أو هو عاجز عن إدراك كينونتها , لا وألف لا , فوالله لنحث لها المطايا حتى تحط بنا إلى ضفاف الحقيقة .
ولعل أول تلك الحقائق هو خطاب التكليف السامي , الذي جاء على نحو صائت , يترجم الرؤية الملكية السامية , في العمل الإعلامي , ولا ريب في أن الرؤية الملكية السامية , ريادية , وتعكس فهما متقدما للعمل الإعلامي , ولا شك بأنها ترتكز على الدستور الذي ينص على أن الدولة تكفل حرية الرأي , ولكل أردني أن يعبر عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير , شرط أن لا يتجاوز حدود القانون , والمعايير المهنية لا تفقد قيمتها بالتقادم ولا تمحي بمرور الوقت , وإننا نعي جيدا أن المهنية ضرورة حتمية , ولذا فإن الصحافة الإلكترونية ضرورة ملحة في هذا القرن , وإنها الأولى على تعزيز قيم المجتمع ومصالح الوطن , وإن الحرية والمسؤولية جناحا العمل الإعلامي , يكتمل أحدهما بالآخر , فإذا كان كذلك التقى المقصدان على أمر قد قدر .
فالرؤية الملكية السامية للإعلام , تمتح من معين البعد المهني للعمل الإعلامي , وإذا كان الأمر على غير ذلك ,فماذا عسانا أن نقول , والنص واضح الدلالة : ( بناء نظام إعلامي أردني حديث , يشكل ركيزة لتحقيق التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية , التي ينتهجها الأردن ويواكب التطورات الحديثة التي يشهدها العالم ) وماذا عسانا أن نقول والرؤية الملكية السامية سامقة المرام ( تطوير رؤية جديدة للإعلام الأردني تأخذ بعين الاعتبار روح العصر وتخدم أهداف الدولة الأردنية وتعبر عن ضمير الوطن وهُويته بكافة فئاته وأطيافه وتعكس إرادته وتطلعاته وتتيح لوسائل الإعلام الأردنية القدرة على التنافس مع وسائل الإعلام الأخرى ) .
أجل إن الدولة القادرة على التطوير لا تهرم أبدا , والحكومة القادرة على تحمل تبعات الإصلاح لا تُخذل , ولقد قرأت خطابات التكليف السامي على مدى الحقب الزمنية للحكومات السابقة والحالية , فوجدت ما يمكن تلخيصه بالتطوير والإصلاح والأمانة والإخلاص والحرية والشفافية كعناوين رئيسة فضلا عن سد حاجات المواطن والاهتمام به أيما اهتمام ,ما يستوجب على كل مسئول أن يضعها نصب عينيه إقتداء بملكٍ جعلها عنوان مرحلته الخيّرة ونظرته الثاقبة .
وإنني كواحد من أبناء هذا الشعب الأبيّ , هذا الشعب الذي رضع حب آل البيت وفُطر على الولاء المطلق للعرش الهاشمي , لأشعر بالغبطة والحبور والفرح والسرور , بهذه التكاليف السامية , التي لا تنتهي آثارها اليوم أو غدا , بل تمتد لتشمل أبناءنا وأجيالنا القادمة , وإنني ألهج مع شعبكم الوفي أن يمد في عمركم لتروا ثمار غرسكم ونتاج صنعكم في حقلكم , حقل الشهامة والإباء , والسؤدد والوفاء , إنه معين لا ينضب ولو متح منه الخلق . إذ فيه شفاء المستشفي وكفاية المكتفي . حمى الله الأردن وعاش الملك .
الدكتور محمود سليم هياجنه
hayaj64@gmail.com