كل مسلم يسره أن يرى المساجد عامرة بالمصلين و أن يرى تزاحماً وتسابقاً على باب الله تعالى ، كل مسلم يريد أن لا يرى هذا الازدحام فقط في شهر رمضان و أن يشهده في كل يوم من أيام السنة, قبل أيام كانت أول جمعة في شهر رمضان لشغل ضروري قضيته وصلت المسجد متأخرا فلم أجد مكاناً لي داخله فافترشت الأرض كباقي إخواني و أصغيت للإمام، وهو يتحدث عن فضائل الشهر وعظمته، المصلين منهم من يصغي كأن على رأسه الطير و منهم من حاضر بجسده و فكره شارد في عالم أخرى ومنهم من أسند ظهره للحائط, واستسلم للنوم وقد يبدأ بالشخير ومنهم من ألهته حصاة يلاعبها على الأرض عن الإصغاء و الانتباه ومنهم من شغله حكه لرأسه تارة و لقدميه تارة أخرى و لجسده مرة و لأنفه مرة أخرى عن الحضور في جو الخطبة بقلبه وعقله, رفع الإمام أكف الضراعة للعلي القدير ونزل عن المنبر إلى المحراب وكبر وصلى بنا, وما إن سلم وسلمنا بعده حتى تعالت أصوات الباعة المحيطين بالمسجد من كل جانب ومعها أصوات المتسولين الذين احتشدوا أمام بوابتي المسجد معترضين سبيل المصلين المتسابقين نحو الباب كأنهم يفرون من المسجد، نزعوا عن ظهورهم ألبسة الوقار و ازدحموا على باب الخروج.
اليوم لو أنني أطلقت العنان للقلم لما انتهيت لأن المشهد يستدعي أكثر من وقفة قصيرة و لأنه يحمل أكثر من صورة فأين أضع رأس القلم الحائر، أأضعه على هذا الفرار أم على هذا الصياح أم على هذا التوسل.
لقد اصبحت ابواب المساجد تعاني من ظاهرة الباعة الذين يأتون في أوقات الصلوات لاصطياد المصلين قبل وبعد الصلاة وأغلب هؤلاء لا يصلون أصلا وإنما مجيئهم فقط بغرض بيع بضائعهم والأدهى من هذا أنهم بمجرد ان يسلم الامام تجد أصوات الباعة المحيطين بالمسجد قد تعالت ترويجا لبضائعهم فيشوشون على المسبوقين في صلاتهم والذاكرين بمعقبات الصلاة والذين يصلون النوافل البعدية بل قد يصل الأمر أحيانا ببعضهم للتفوه بالكلام البذئ أثناء الصلاة المفروضة .
حتى ان المصلين فما إن تنتهي الصلاة حتى يهرعوا إلى هؤلاء الباعة للشراء, لاجراء عمليات البيع والشراء التي لا تستمر كثيرا فالكل في عجلة من أمره، البائع يريد أن يبيع ويتخلص من بضاعته، والمشتري يريد أن يشتري ويتخلص أيضا من الازدحام والتدافع، وما هي إلا دقائق حتى ينتهي الجميع ويغادروا مخلفين وراءهم كومة من النفايات والأوساخ.
كما ان هذه الظاهرة تشكل خطر من خلال رداءة البضاعة التي يبيعونها فهذه البضائع لا يعرف عادة مصدرها وغالبا ما تكون رديئة وأقل جودة من غيرها، ناهيك عن أن كثيرا من هؤلاء الباعة ربما هربوا من مقار عملهم لمزاولة البيع هنا مستغلين التجمع وتزاحم المصلين وتجمهر الناس حولهم مما يسيء إلى الشكل الحضاري العام للمساجد ويؤثر في هيبتها وسمعتها الدينية ، ويهيئ هذا لارتكاب جرائم النشل, وقد تلحق ضرراً بأصحاب المحلات والأسواق .
اما الظاهرة الثانيه هؤلاء الفئة الواقفين أمام باب المسجد بمسكنة و توسل للمصلين بلباسهم الرث الممزق ، و منهم من يعرض عاهته يتوسل بها أمام الناس عساه ينال عطف الخارجين من الصلاة الصائمين, فقد تجد امرأة قد بسطت أمام الباب عيالها الصغار, وهناك من يطأطئ الرأس جالسا و يضع أمامه شواهد طبية و صور لأيام عزه و شبابه...ومن أغرب ما سمعت عن فنون "التسؤل" هو أن رجلا في الأربعين من عمره يقضي حياته متجولا بين المدن و يدعي أن اللصوص أخذوا ماله و لم يجد ما يركب به للوصل إلى عياله و الذي يراه لا يحسبه متسؤلاً محتالاً أبداً ، الرجل غاية في الأناقة...و هناك من يطوف على المنازل و يطلب مساعدة مريض لأجراء عملية جراحية أو المساعدة من أجل دفن فقير...كلها أساليب دنيئة و غاية في الخسة ليست لأنها أحد أنواع التسول و لكن لأنها تستغل طرق الخير و تخلط بين ما هو إحسان و ما هو احتيال.
خـلـيـل فـائـق الـقـروم
Kfg_81@yahoo.com