يستهجن الناس ما يشاع أو يقال من قبل بعض الساسة في الحكومة او خارجها أن الحوار الذي ترغب به الحكومة مع الحركة الإسلامية أو التي ترغب به الحركة الإسلامية مع الحكومة وصولا لاتفاق يتعلق بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة يمثل \" تنازلا من الحكومة قد تستفيد منه الحركة الإسلامية من جهة ، ويضعف الحكومة من جهة أخرى \" !! متجاهلين مصالح البلاد عموما ومصلحة المسيرة الديمقراطية التي نؤسس لها منذ أكثر من عشرين عاما لم تثمر وبسبب تلك الرؤى السياسية المغامرة او المراهقة عن تأطير ومأسسة حقيقية لجدار الوطن الديمقراطي ، فبقيت التجربة مشوهة منقوصة رغم التهليل والتبجح الإعلامي بنجاح كل تلك التجارب ، ولا زلنا نستخدم كلمة التجربة حتى هذه اللحظة بالرغم من تنظيم خمسة انتخابات برلمانية متوالية شاب أكثرها التعطيل والتمديد والحل ، وبلغت مبلغا عاليا في تشكيك الناس بنزاهتها وسلامة إجراءاتها حتى بات الأمر يصل إلى قناعة لدى الجمهور أن الحكومات لا تريد أصلا تأطير تلك التجربة وترسيخها بل وتسعى إلى إبقائها مادة طرية يمكن تلوينها و تشكيلها حسب المعطيات والظروف الاقتصادية والسياسية .!! ولا ندري متى يمكن لشعبنا ووطننا ان ينعم باستقرار وثبات تلك المسيرة من حيث ثبات قانون دائم يحظى باحترام الجميع وبإجراءات سليمة لا تحمل معها أي ملاحظات او علامات الاستفهام وتشكيك بنزاهتها !!
أكثر من عشرين عاما من التجارب الديمقراطية ولا زال البعض يتحدث عن موقفه الشخصي الرافض لتقديم تنازلات للأطراف المعارضة وكأنها شخصية تتعلق به نفسه ، أو أن الوطن له وحده ، فالتعاطي مع المعارضة بشكل شخصي او بشكل يغالي في حماية وإضعاف الوطن والحكومات على حد تعبير البعض منهم ما هو إلا نقص في الرؤية السياسية والوطنية ، ويمثل خطرا ليس مقصودا على البلاد على المرحلة نفسها ، وإلا ما الذي يمنع الحكومة من الحوار مع الإسلاميين الذين يجد الناس كافة أن لهم اشتراطات وملاحظات هامة لا بد من الاستماع إليها والحرص على متابعتها والعمل بها ، فالحوار مع الإسلاميين ليس إضعافا للحكومة بل دعما لها وتسويقا وان كان صعبا لتقبل إشرافها على الانتخابات ، فهذه الحكومة هي الأقل شعبية وقبولا لدى الناس من أية حكومة سابقة أدارت الانتخابات البرلمانية في المرات السابقة ، بل إنها تعتبر الحكومة الأسوأ منذ عشرات السنين !!
الحوار مع الإسلاميين بات مطلبا شعبيا في الدرجة الأولى ومطلبا رسميا لأغلب الساسة سواء داخل الحكومة أو خارجها والناس تنتظر تلك الحوارات لعل وعسى أن ترتفع نسبة الراغبين بالمشاركة وخاصة من قبل المعلمين أو المتقاعدين العسكريين والمواطنين العاديين إن توصلت الحوارات إلى تسويات وتضمينات تزيل التشكيك بصحة إجراءات هذه الدورة الانتخابية ، فالثقة بالإسلاميين لا زالت تحتل المرتبة الأولى في البلاد ، مقابل تدني كبير في مستوى ثقة الشعب بحكومته الحالية خاصة بعد سلسلة من السياسات والقرارات التي وعدت الحكومة بتنفيذها والالتزام بها ولم تفلح بل إنها خالفتها وبسبق الإصرار والترصد !
الوطن للجميع ، والوطن لم يعد وطن الفرد الواحد والأوحد ، والسلطة لا تعني تعريض البلاد إلى أزمات واضطرابات داخلية افتعلها البعض وتحمل المواطن أزرها بكل صمت قد لا يطول كثيرا ! فهل من الحكومة ان تمنع الحوار مع المعارضين لسياساتها وان لا تستمع إليهم خشية أن يقال أنها ضعيفة !! وهل تعتقد الحكومة أصلا أنها قوية بعد ما لاقاه الناس وعايشوه بمرارة في ضل هذه الحكومة !!
إن كانت الحكومة لا تقبل الحوار مع المعارضة فما عليها سوى الرحيل ، لأن الوطن اكبر منها ، ولأن الناس أعظم منها ، ولأن المرحلة بحاجة لبناء متين وقوي لا يمكن لهذه الحكومة أن توفره ، فبقاء الحكومة في ضل تلك العقلية التي تقوده خطر كبير يهدد أمن واستقرار الوطن وتماسك أفراده !!