د. بسام البطوش*
كان قرار حل مجلس النواب السابق قد عبّر عن شعور رسمي وشعبي بأن ذاك المجلس بات يعاني جملة سلبيات تتعلق بتركيبته وأداءه وصورته العامة.ومن هنا انعقدت الآمال على قانون الانتخابات،لكن كانت الرغبات والمواقف والآراء متداخلة بل ومتعارضة حياله ، وعلينا أن نعترف بأن قانون الانتخاب المؤقت الذي ستجري الانتخابات القادمة على أساسه لا يلبي الطموحات الرسمية أوالشعبية ،لكنه يعبر عن الواقع الأردني بتعقيداته ومحدداته ورهاناته وتحدياته في هذه اللحظة التاريخية.
ومنذ صدور قرار حل المجلس السابق بعثت الاوساط الرسمية برسائل متواصلة تعبر عن إرادة سياسية عليا مؤمنة بضرورة الإرتقاء بالحالة البرلمانية، وتحسين المنتج الانتخابي القادم،لكن على ما يبدو أن هذه الرسائل لم تصل،لسبب أو لآخر.
أول الرسائل الرسمية وأهمها بعد قرار الحل ذاته جاءت على لسان جلالة الملك وعبر كتاب التكليف السامي للحكومة،إذ يقول جلالته: \"وبعد أن صدرت إرادتنا بحل مجلس النواب تمهيدا لإجراء انتخابات نيابية جديدة تكون أنموذجا في النزاهة والحيادية والشفافية،فسيكون في مقدمة مهام حكومتكم اتخاذ جميع الخطوات اللازمة،بما في ذلك تعديل قانون الانتخاب وتحسين جميع إجراءات العملية الانتخابية، لضمان أن تكون الانتخابات القادمة نقلة نوعية في مسيرتنا التطويرية التحديثية، وبحيث يتمكن كل الأردنيين من ممارسة حقهم في الانتخاب والترشح وتأدية واجبهم في انتخاب مجلس نيابي قادر على ممارسة دوره الدستوري في الرقابة والتشريع والإسهام بفاعلية في استكمال مسيرة البناء، وفي تكريس الديمقراطية ثقافة وممارسة في وطننا الحب\" ،ويؤكد جلالته ينظر الى العملية الانتخابية القادمة بوصفها \" خطوة رئيسية في تطوير أدائنا الديمقراطي وتعزيز المشاركة الشعبية في عملية التنمية السياسية\".
حملت الحكومة هذه الرؤية الملكية وحاولت الانسجام معها والتقيد بها ، وجاء في ردها على كتاب التكليف:\" إن حرصكم السامي، على إجراء الانتخابات النيابيّة، ضمن الفترة التي حددتموها،وبأعلى درجات النزاهة والشفافيّة؛ تعبير دقيق عن ثقة القائد بشعبه ، وبمؤسّساته الراسخة العريقة . ومن هنا، فستنفذ الحكومة أوامر جلالتكم باتخاذ جميع الخطوات الكفيلة بأن تكون الانتخابات النيابية القادمة أنموذجا بالشفافية والنزاهة والحيادية… وستعمل الحكومة، على تطوير جميع إجراءات العملية الانتخابية، بما يضمن أن تكون الانتخابات نقلة نوعية في عملية التحديث والتطوير، وليتمكن كل الأردنيين من ممارسة حقهم في الانتخاب والترشح\". .
والخطاب الإعلامي الحكومي الجديد الخاص بالشأن الانتخابي يؤكد النظرة الرسمية بأن العملية الانتخابية تشكل فرصة لاستعادة ثقة المواطن بمجلس النواب وبمكانته ودوره،و أن المصلحة الوطنية الأردنية تتطلب إنجاز انتخابات نيابية نزيهة بكل المعايير و المقاييس،تعبيرا عن الارادة السياسية العليا،مع المطالبة باعطاء الفرصة لهذه العملية وعدم اطلاق أحكام مسبقة عليها،وتأجيل الحكم عليها إلى النهايات، وعدم تحميلها وزر تجارب انتخابية مضت.
لكن أبلغ الرسائل الرسمية تمثل في سلسلة من السياسات والقرارات والاجراءات ولعل من أهمها تشكيل اللجنة التوجيهية العليا للانتخابات برئاسة دولة الرئيس شخصيا،واشراك القضاء في العملية الانتخابية،و اهتمام الحكومة غير المسبوق بإدارة حملة وطنية لتفعيل عملية التسجيل وضمان تسجيل أكبر عدد من المواطنين،وانتهاج اجراءات سلسة ومبسطة وميسرة لإتمام عملية التسجيل،والتشدد في عمليات النقل،ومن ثم الدعوة الرسمية المعلنة والصريحة بل والتحريضية للمواطنين لممارسة حقهم وواجبهم في الاعتراض على الاصوات المهاجرة و دعوتهم للمساهمة في عملية تنقيح الجداول الانتخابية،وهذا ما لمسنا آثاره الايجابية في ارتفاع عدد حالات الاعتراض الى أربعمائة ألف حالة ويزيد،في مشهد غير مسبوق،و بما يؤكد جدية هذه الحكومة في اجراء عملية انتخابية محترمة.
والرسالة الحكومية الأقوى جاءت عبر تشديد العقوبات على جريمة الرشوة الانتخابية وشراء الأصوات،و الدعوة المتكررة للمواطن لممارسة دوره الهام في محاصرة ظاهرة المال السياسي،مع التعويل على الوعي المجتمعي الرافض لاستفحال هذه الظاهرة إذ أن قيم الشعب الأردني لا تسمح بالمتاجرة بالضمائر،وأن الوضع الاقتصادي لا يبيح بيع الصوت،والخطاب الإعلامي الرسمي يشير بوضوح إلى أهمية توفر الإرادة الشعبية المناصرة للإرادة الرسمية العليا لإنجاز انتخابات نيابية ترضى الضمير الوطني،و تفرز مجلس نيابي قوي،ومن هنا تأتي الدعوة الرسمية الى وجوب تكاتف الجهود الرسمية و الأهلية لمجابهة ظاهرة بيع الأصوات لضمان عدم التأثير على إرادة الناخب.
ورسائل الحكومة الايجابية تمتد لتؤكد عدم ممانعتها في أن تقوم أي جهة داخلية أو خارجية بمتابعة الانتخابات وملاحظتها ،وعلى رأسها المركز الوطني لحقوق الانسان،ومؤسسات المجتمع المدني،ومندوبي المرشحين،والاعلام الأردني،والمواطن نفسه .
والرسائل الرسمية الايجابية التي تضمنت صدور بلاغ يحضر مشاركة موظفي الدولة في الدعاية الانتخابية،تتضمن أيضا مناشدة الجميع لممارسة واجبهم الوطني،والتمني على الجميع الكف عن إصدار الأحكام المسبقة،و مطالبة البعض مغادرة الحالة البكائية التشكيكية المعهودة،واستنهاض الضمير الوطني العام ليمارس دوره في انتاج عملية انتخابية مميزة،بعيدا عن الاستقواء والتهديد والوعيد بالمقاطعة تبعا لأجندات خاصة وفردية ومفبركة وانفعالية وآنية غير مبررة،أو لمجرد الهروب الى الأمام ،أو للتعبير عن حضور سلبي لا يمكن البرهنة عليه بشكل ايجابي البتة!!
لكن السؤال الهام ،يقول: ما هو مصير هذه الرسائل الرسمية وهل وصلت للعناوين المستهدفة؟أم أن من يفترض بهم استقبالها تغيرت عناوين بعضهم ! فيما كانت صناديق بريد بعضهم معطلة أو مقفلة،أما بعضهم فليس لديه صندوق بريد من الأساس ،في حين أن البعض يمنع على ساعي البريد وجميع الوسائط الأخرى نقل الرسائل الرسمية إليه، لأمر في نفسه! وكان الله في العون.
*أكاديمي أردني
bassam_btoush@yahoo.com