زاد الاردن الاخباري -
ترجمة وتحرير بنان ملكاوي - في مقال نُشر اليوم الجمعة في صحيفة الـ"واشنطن بوست" الأميركية ذائعة الصيت، أكدت مراسلة الصحيفة في القدس "جينين زكريا" أن حالة التأزم الداخلية التي يعيشها الأردنيون بات صدى تداعياتها يسمع على الصعيد الدولي، وخصوصاً حينما قامت المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والحريات بإعلان استنكارها وشجبها للإجراءات التي تتخذها الحكومة الأردنية في تضييق نطاق الحريات العامة والصحفية والاستمرار في التعنت في سياسات "استبدادية" حيال المواطنين بشكل عام.
* أحد "أوقح" القيود التي أقرت هذا العام في الأردن تلك التي تؤثر مباشرةً على وسائل الإعلام الإلكترونية ..
* قيود جديدة تثير موجة انتقادات قوية غير مسبوقة بين الأردنيين..
* الخطوات التي تتخذها الحكومة لتقييد الحريات تؤذي سمعة الملك وولّدت استياءً مُدهشاً بين الأنصار التقليديين للنظام الملكي ..
*مع تضاؤل دور الأردن إقليمياً؛ بات السخط المحلي أكثر وضوحا..
* توجه نمطي نحو الحاكمية الاستبدادية في فترة يصفها المراقبون بفترة "قسوة استثنائية"
واستعرضت الكاتبة في تحليل الوضع الداخلي للأردن؛ تلك الحملات التي شنتها وتشنها قوى المعلمين وعمّال المياومة والمتقاعدين العسكريين والصحفيين، والاستياء الشعبي من الوضع الاقتصادي المتدهور.
وتحدثت الكاتبة عن حالة عدم الاستقرار وتزايد وتيرة التوتر على الصعيد المحلي في الأردن إزاء الإجراءات التعسفية والمقيّدة للحريات حيال الشعب الأردني، منوهة بأن القيادة الأردنية تواجه كمّاً غير مسبوق من الانتقادات في الفترة الأخيرة بالتزامن مع توجه نمطي نحو الحاكمية الاستبدادية في فترة يصفها المراقبون بفترة "قسوة استثنائية" تكبدت بشكاوى وانتقادات علنية من قبل فئات شعبية وسياسية تجاه المسار الذي يطرقه الأردن.
وتقول "زكريا": ولأن "توجيه انتقادات علنية للقيادة الأردنية لا يزال من المحرمات .. يتم توجيه التذمر بالنيابة للحكومة المعينة مباشرة من تلك القيادة".
وتضيف أن بعض النقاد يتنبأون بأن تؤدي خيبة الأمل الشعبية هذه إلى حالة عدم استقرار في الأردن - البلد الذي أثبت أنه واحدٌ من أكثر شركاء الولايات المتحدة موثوقيةً في المنطقة - وأن الخطوات التي تتخذها الحكومة لتقييد الحريات -إلى الآن- تؤذي سمعة القيادة المحسوبة بأنها إصلاحية مستنيرة، وتولّد استياءً مدهشاً بين الأنصار التقليديين الموالين للنظام الملكي.
وتؤكد الكاتبة: أن هذه التحديات المحلية تأتي في وقتٍ تضاءل فيه شأن الأردن في المنطقة، وخصوصاً في مدى تأثيره في مسألة العملية السلمية بين الفلسطينيين وإسرائيل..
وتضيف: ومع تضاؤل دور الأردن إقليمياً، بات السخط المحلي أكثر وضوحاً، وهو سخطٌ أثارت بعضه سياسات الخصخصة وخفض الدعم الحكومي، الذي أضرَّ بأعداد كبيرة من موظفي القطاع العام، بينما تحاول القيادة تحويل المملكة الصحراوية المعتمدة على المساعدات إلى تمركز تجاري في المنطقة. ورغم هذه الجهود، رتّب البنك الدولي الأردن هذا العام في المرتبة 100 من أصل 183 بلدا من حيث سهولة ممارسة الأعمال التجارية، تالية لليمن.
وتسلّط "زكريا" الضوء على عدد من الظواهر التي خرجت من مدافنها للعلنية؛ ومنها ارتفاع أصوات المنتقدين لسياسات الفساد مثل بيع أراضٍ حكومية لم ترَ خزينة الدولة منها المنافع - وهي انتقادات "لفساد مزعوم ادعى المسؤولون أنه مبالغ فيها" - كما تقول.
وتزيد بالقول: إن مراقبين سياسيين يرون أن هناك فجوة بين عامة الشعب والقيادة.. ولكن في كلمة ألقاها بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لتوليه العرش، تطرق الملك عبدالله لهموم الشعب بقوله "إن الكلام عن الفساد والمحسوبية والواسطات مبالغ به"، داعياً شعبه للتريث والصبر فيما تقوم الحكومة المعينة حديثاً على إصلاح الاقتصاد.
وتنسب "زكريا" قول المحلل السياسي الأردني لبيب قمحاوي في تقييم الوضع المحلي بأن "الشعب بات يشك في وضع الأردن"، مضيفاً أن الانتقادات المتزايدة يمكن أن تؤدي إلى "الانفجار" - بحسب قوله.
وهنا تفسر الكاتبة: "ليس لأن الأردنيين لم يمروا بأوضاع صعبة في الماضي. لكن ما هو جديد -بحسب المراقبين- هو الاستعداد لتمرير آراء علنية ضد "النظام" ككناية عنه، وخصوصاً أن انتقاد الملك يعاقب عليه بما يصل إلى ثلاث سنوات في السجن بينما تحمل عقوبة قذف موظف حكومة ما يصل إلى سنة واحدة بالمقارنة.
وفي استعراضها للأوضاع المتأزمة في البلد، تعيد "زكريا" تسليط الضوء على بيان المتقاعدين العسكريين الذي صدر في أيار الماضي والذي حظي باهتمام واسع، محلياً وعالمياً، وصعق الكثيرين بـ"صراحته" في انتقاد سياسات الخصخصة، وعكس القلق المتزايد عند المواطنين الأردنيين بأن الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن يهيئون لتسويةٍ للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني من شأنها تجنيس المزيد من الفلسطينيين في الأردن، وذلك بالرغم من تأكيدات الملك عبدالله الثاني بأن الأردن لن يقبل تحت أي ظرف أو بأي شكل من الأشكال حلاً للقضية الفلسطينية على حساب الأردن.
وسط هذا الاستياء المتصاعد، تتعالى أصوات المقاطعة للانتخابات البرلمانية التي يتهيأ الأردن لإجرائها في تشرين الثاني، بعد عام (تقريباً) على حل البرلمان السابق، وخصوصاً من قبل الإسلاميين وجبهة العمل الإسلامي - الحزب السياسي الأكبر في الأردن.
كل هذا -بحسب "زكريا"- يعكس وتيرة الأزمة السياسية المحلية من جهة، والتي أدت الاتجاهات الاستبدادية فيها إلى انحدار تصنيف الأردن في مؤشر "فريدم هاوس" للحريات من مرتبة "حر جزئياً" إلى بلد "غير حر".
وتشير الكاتبة إلى دلالات حالة "التأزيم" العامة في البلد ومنها شجب نشطاء حقوق الإنسان الحملة التي شنتها الحكومة ضد عمال المياومة، ممثلةً بـ"محمد سنيد" الذي أقيل من منصبه بعد المطالبة بتحسين أوضاع زملائه، والذي حكمت عليه محكمة أمن الدولة بالسجن ثلاثة أشهر بدعوى الإساءة لمسؤول حكومي.
وتشير الكاتبة أيضاً لحملة المعلمين الذين خرجوا في "مسيرة لم يسمع بها من قبل في الأردن" لنصرة زملائهم الذين تم فصلهم من وظائفهم عبر الإحالة للتقاعد أو الاستيداع؛ وذلك لمشاركتهم بفعاليات واعتصامات اللجان المطالبة بإحياء نقابة للمعلمين.
وتنقل "زكريا" قول الناشط مصطفى الرواشدة -أحد منسقي لجنة إحياء نقابة المعلمين والذي فقد وظيفته- إن "عدم رضا الشعب في الأردن وصل إلى مستويات عالية غير مسبوقة".
وفي جرش، التي تحصل على أدنى حصة من المياه للفرد الواحد في الأردن، شكا سكان المحافظة علناً الأسبوع الماضي من النقص المتأزم في المياه هناك.
وفوق كل ذلك، تزيد "زكريا" بأن أحد "أوقح" القيود التي أقرت هذا العام هي تلك التي تؤثر مباشرة على وسائل الإعلام الإلكترونية - بحسب تعبيرها.
وتقول: "في حين جعل الملك عبدالله امكانية الوصول إلى الإنترنت من الأولويات -وجلالة الملكة رانيا العبدالله لديها أكثر من مليون من الأتباع على "تويتر"- سنّت الحكومة في بداية الشهر الحالي قانون "جرائم أنظمة المعلومات" المؤقت الذي وصفته منظمة "مراسلون بلا حدود" التي تتخذ من باريس مقراً لها بأنه "ترسانة تشريعية يمكن استخدامها لمعاقبة أولئك الذين ينشرون مواد لا ترضي السلطات" بعقوبات تتراوح من الغرامة إلى السجن بأشغال شاقة.
وفي رسالة موجهة إلى الملك عبدالله يوم الثلاثاء، قالت "لجنة حماية الصحفيين العالمية" ومقرها نيويورك إن القانون ذاته يمكن أن يستخدم لمضايقة وسائل الإعلام الإلكترونية ويسيء لـ "صورة الأردن كمجتمع حر ومنفتح."
وتضيف الكاتبة "يقول مسؤولون أردنيون إن قانون "جرائم أنظمة المعلومات" ضروري لأن مستثمري القطاع الخاص يطالبون بوضع ضوابط للحد من المواد الإباحية وغيرها من الجرائم".
ومع ذلك، قال مسؤول رفيع في الحكومة الأردنية والذي تحدث -شريطة عدم الكشف عن اسمه- انه وفيما يتعلق بالمواقع الإخبارية "نحن نريد صحافة مهنية.. الكثير (من المواقع) يتعاملون بالقذف والتحقير.. حرية الشعب تنتهي عندما تتعدى على حرية الآخرين".
وتمثّل "زكريا" بسقف الحرية لدى المواقع الإخبارية بأن "موقع كل الاردن قام بنشر بيان المتقاعدين العسكريين بمجمله". - ويجب التنويه هنا أن مواقع أخرى ومنها موقع "عمون" قام بنشر البيان بأكمله وترجمته ونشره بالإنجليزية".
وتضيف: "على الرغم من أنه تم اختراق ذات الموقع أربع مرات، فإنه لا يزال ينشر مواد تغضب الحكومة.. بينما يقول الكاتبان الرئيسيان في الموقع إنهما يبقيان حقائبهما مجهزةً لاحتمال أن يتم القبض عليهما عندما يسري مفعول "قانون جرائم أنظمة المعلومات..".