منذ فترة بكل التواضع لا تقل عن ثلاثة أشهر حاولت أن اكسر قلمي عن الكتابة كمواطن يعيش هموم وطنه , وهذا الصمت لا بسبب انتفاء ما يمكن أن نكتب عنه وفيه , ولا هو خوف أو وجل من احد فكل ما نكتبه لا نريد منه لا عرض دنيوي ولا مطمع أو مغنم نطمح إليه ولا مغرم نبحث عنه . فإن كتبنا فما هو إلا بوح نابع من حبنا المتأصل في سويداء القلب وحرصنا على هذا الوطن الذي ليس لنا غيره , وحين نكتب فإننا نكتب بلغة المحبين ومن يحمل هموم الوطن وشجونه بلسان الصدق والحرص إيمانا بالقول المأثور أن الساكت عن الحق شيطان اخرس , لا نكتب ليقال عنا أننا قلنا ولا نكتب دجلا أو نفاقا ولا نكتب بدافع البغض كما يفعل البعض أو بلغة التشفي . فنجد البعض يدعي زورا وبهتانا انه يغار على هذا الحمى , فيكتب ويدعو بدعوات حق يراد منها الباطل بعينه , أو يراد منها تشويه صورة هذا الوطن الناصعة البياض بأهله وبأفعاله التي ما كانت يوما غير أفعال ترفع ألرأس عاليا فتجعل كل أردني يفاخر الدنيا بأردنيته حتى أصبح الأردن والطيب صنوان لا ينفصلان , لذلك نريد أن تبقى هذه الصورة , ونريد أن يظل الأردن كما كان وطنا عصيا على كل الأطماع وعلى كل أصحاب الأجندات السوداء والمهوسيين وتجار الحقائب وعبدة الدولار .
حادثتان مهمتان فلا أغالي إذا ما قلت أنهما ضربتان موجعتان في رأس كل أردني شريف , بل هما فعلان ، لا يمكن لأي محب لهذا الوطن إلا ويقف عندهما واعلم أن الجميع وقفوا طويلا حتى تعبت أقدامهم , حتى مللنا من الانتظار أن يخرج علينا احد رجالات حكومتنا الراشدة ليقول لهذا الشعب ما هذا الذي يجري على ارض الأردن ؟ ولست ادري : هل السكوت هنا هو علامة الرضا عما جرى ؟ أم أن شيئا ما يجري خلف ظهورنا ومن تحت أقدامنا ونحن لا نعلم عنه, فأين هو وزير إعلامنا ليقف ويقول ما هي وجهة نظر حكومتنا بما جرى ويجري, فوق ثرى هذا الوطن الطاهر الذي لا يستحق منا هذا العقوق.. اما الحدث أو الحدثين فهما عملين أو فعلين كانا ضرب من الجنون وضرب في صميم الأمن الوطني الأردني والذي هو غايتنا ومكمن حرصنا ومن اجلهما تهون علينا أرواحنا وما ملكت أيادينا . أما الأولى فهي تلك الجريمة النكراء والتي تحدثت عنها صحافتنا ولم نسمع , لا نفيا ولا تعليقا يؤكد أو ينفي تلك الجريمة .
فالأولى أن يذهب شخص بحجم باسم عوض الله \" الوظيفي \" فهو شئنا أم أبينا فقد حمل ويحمل لقب معالي وليس ككل أصحاب المعالي فقد شغل الرجل اثنتان من أهم المواقع في بلدنا , فمن وزير للتخطيط ويعلم الجميع مدى أهمية هذا المكان , والثانية حيث شغل رئيس لديوان سيد البلاد وعميدا لبيت الأردنيين وكلنا يعي ويدرك ماذا يعني هذا المكان وهذا التشريف فعميد الأردنيين , لهو احرص الناس على مشاعر الأردنيين . لكن أن يضرب هذا الرجل بعرض الحائط بمشاعر الأردنيين ويتنصل لهذا التشريف الذي حظي به وبما طوق به عنقه من وسام هو شرف له ما بعده شرف ثم يرمي بالبئر الذي شرب منه حجرا ويعض اليد التي مُدت إليه , ليذهب إلى حيث بيت عزاء ويصطف على رأس المستقبلين والمتقبلين لعزاء من كانت يداه ملطختان بدم شهيد الأردن والوطن وابنه البار الشهيد وصفي التل طيب الله تربته ذلك الرجل الذي قال فيه الحسين العظيم طيب الله ثراه : لقد عاش وصفي جنديا منذورا لخدمة بلده وأمته، يكافح برجولة وشرف من اجلهما ... حتى غدت هذه الجريمة النكراء مشاركة في اغتيال رمز من رموز وطننا وعزيز على قلوبنا جميعا وهو الشهيد وصفي التل بعد مرور كل هذه السنوات على استشهاده بعمل لا يوجد له من توصيف غير انه غادر وجبان وبعيدا عن الشهامة والرجولة بل هو قتل لإرادة الرجال أمثال وصفي وهو قتل لفكر ونهج التحرير لأرض فلسطين التي قاتل على ثراها وصفي جنديا ومقاتلا متطوعا ..فكانت الجريمة النكراء , وهاهي أيام بل أسابيع تمر دون إن نسمع شيئا لا من صاحب التهمة لينفيها ولا من حكومتنا لتجيب الناس عن أسئلة تدور في خلد كل واحد فينا . فمن أولى إن تعلق الحكومة على ما جرى لا أن يترك هذا الأمر ليظل أمرا غامضا يزيد أمورنا غموضا ويزيد من خوف المواطن وهو خوف مبرر.
أما الثانية وهي جريمة أخرى أبشع حيث أقدم المدعو جبريل الرجوب على تهريب ثلاثة من المواطنين عبر مطار الملكة علياء بجوازات لا ندري ما هي ؟ وبذلك يخترق جبريل الرجوب الأمن الوطني الأردني بأسلوب العصابات وبهذا الفعل الشائن يوجه هو الآخر إهانة إلى الأردن , ولكل مواطن فيه والى كل من يعنيهم الأمر بأمن هذا الوطن الأعز . وهي صفعة لكبرياء هذا الوطن والذي ما كان يوما ساحة للمغامرين والطائشين وساحة لعمل العصابات , فهذا الأردن الذي شيد بدماء أبناءه الغر الميامين يدا بيد مع قيادته التي شكلت مع الأردنيين الحصن المتين والصخرة الصلبة التي تتحطم عليها كل المحاولات البائسة الرامية للإضرار بأمن واستقرار الوطن ومصالحه العليا. من هنا نقول بأن من اولى واجبات حكومتنا تجاه هذين الفعلين ان تخرج للناس لتميط اللثام عن أمرين هامين يشغلان كل مواطن وبأنه ليس من الحكمة ان تضع حكومتنا رأسها بالرمال اعتقادا منها ان الأمر ربما يمر مرور الكرام , أو ان يتوهم البعض ان ذاكرة الأردنيين قد أصبحت عاجزة عن الاحتفاظ بمن يستهين بمشاعرهم أو ينكأ جراحاتهم التي ما زال الأردنيون بعد لم ينسوها , فكم هي السنوات التي مرت !! فهل مات وصفي في قلوب الأردنيين وعقولهم ؟ فالكرة ما تزال في مرمى حكومتنا إلى إن تجيبنا وتطفئ النار التي تشتعل بصدورنا فهذا الوطن عزيز على أهله وكل من يعز هذا الوطن فهو أيضا عزيز علينا ولو لم يكن وصفي وهزاع قد قدموا هذا الوطن على أنفسهم وعلى أرواحهم لما احتفظنا لهم بكل هذا الوفاء فالقسم الذي بيننا وبينهم هو الولاء والانتماء لهذا الوطن ..ربي أحفظ هذا الوطن آمنا مطمئنا ورد كيد الكائدين إلى نحورهم واخزهم في الدنيا والآخرة ...