أهون الاحتمالات بالنسبة لعملية أول من أمس ان تكون مجموعة بلا روابط خارجية بل منفعلة بما يحدث في فلسطين لحسابها وبمشاعرها فقط، قامت بها مع ان رصد حركة الدبلوماسيين الاسرائيليين لا يمكن ان يوحي بشيء من هذا، بل بمستوى خارجي اعلى.
ويبقى القلق الرئيس متمثلا في مدى استهداف القاعدة وامتداداتها للأردن، واذا كانت العملية الأخيرة تنتمي إلى هذا الاستهداف، وهو احتمال لا سبيل لترجيحه حتّى الآن، فسيكون ملفتا للغاية هذا التكتيك بترك الأهداف المحلية والتحول لضرب هدف إسرائيلي، فهذا ليس مألوفا ابدا عند القاعدة، التي لا تتردد في مختلف البلدان في ضرب اهداف مدنية، بل تتقصد إلحاق أكبر أذى وخسائر بالناس مهما كانوا؛ على طريقة الهجوم الارهابي على الفنادق.
تكتيك يدخل بصورة لافتة جدا على خط الجدل الداخلي عندنا بعد تفجير خوست، وتصدّي بعض الفاعليات والآراء لمعارضة النشاط الأمني الأردني ما وراء الحدود في مكافحة الارهاب، على اعتبار أن العدو الأجدر بالمواجهة هو هنا وراء الباب.
هناك خلط فظيع وغير مقبول بين الميادين محصلته - أي الخلط- إضعاف الموقف الأردني وإضعاف التفاف الرأي العام حوله، ليس اردنيا فقط بل قوميا ايضا. وفي هذا الميدان تحديدا لا يجوز اخلاقيا وسياسيا اللعب على خلط الأوراق والتنصل من المسؤولية في مواجهة ظاهرة كارثية ثقافيا واجتماعيا وسياسيا، فالقاعدة وامتداداتها والوسط الشبيه بها وبصرف النظر عن وجود اسرائيل يحمل مشروعا ظلاميا لكل بلداننا ومجتمعاتنا، ويعتمد وسائل إجرامية لا يقرّها انسان، بل ان وجود اسرائيل هو وجود ثمين لأصحاب هذا المشروع، فمخططهم يتغذّى على العدوان والإرهاب الإسرائيلي والدعم الأميركي والدولي لإسرائيل؛ لتسويق دعاوى "جهاد" يستر ويسوغ المشروع الظلامي والكارثي على مجتمعاتنا.
وسائل هذا المشروع من نوع أهدافه؛ فجزّ الرقاب أمام الشاشات وتفجير التجمعات بمن فيهم الأطفال والنساء لا يرعب الأعداء، بل المجتمع المحلي قبلا، وهو يهدف بذاته إلى نشر الرعب الذي سيفرض عندما تتاح له الفرصة أسوأ سلطة على الناس.
وفي تقديري ان الشخصيات المحترمة الموقعة على البيان عندنا ستكون أول ضحايا هكذا سلطة، فهيهات في ظل سلطة طالبانية ان يتاح لهم اصدار بيان رأي أو حتى أن يعيشوا حياتهم الخاصّة المحترمة والحرّة كما يفعلون الآن.
هذا الخلط بين الموقف في فلسطين والموقف من الإرهاب القاعدي مضلل وظالم. وعلى كل حال نهج الطالبانية والارهاب القاعدي لا يحرر وطنا ولا يخدم بشرا، وليس هناك دولة أكانت تحمل راية السلام أم المقاومة أم الممانعة تقبل بوجود هذه الجماعات، وحماس لم تقصّر بسحقهم في المهد من دون رفّة جفن، والنشاط الاستخباري الأردني في مواجهتم واجب ومسؤولية لن يتخلى عنها حتّى الموقعون على البيان المعارض لو كانوا في موقع المسؤولية.
لكن الجهد الأمني الوطني بما في ذلك النشاط الاستخباري متعدد الأطراف لا يكفي، فمواجهة الاتجاهات التكفيرية الظلامية والإرهابية يجب ان تتمّ بين الجمهور، ويحتاج ذلك الى تعبئة ثقافية وسياسية لا يجوز ان تتقدم عليها، فضلا عن إضعافها، حسابات المناكفة أو حتّى الخلافات السياسية الداخلية.