كنت قد رحبت بحكومة الرئيس سمير الرفاعي فور تشكيلها بمقالة (أهلاً حكومة)، وأعربت عن تفاؤل مشوب بالحذر، وتمنيت على الحكومة وطاقمها أن تكون للوطن والمواطن. ويبدو أن تفاؤلي كان في غير محله، وأن الآمال التي بنيناها على هذه الحكومة ذهبت أدراج الرياح، وتحولت الآمال إلى فجيعة تلو الفجيعة، وصدمة تتبعها صدمات. إذ ما انفكت الحكومة منذ توليها أمانة المسؤولية تتحفنا بالأزمات والمطبات التي تعمل على التأزيم وإثارة التذمر والقلاقل وزيادة الضغوط على المواطنين دون مبرر معقول أو مفهوم.
إن مسؤولية الحكومة –أي حكومة- أن ترعى مصالح العباد، وأن توفر لهم أسباب العيش الكريم الذي يليق بالبشر، وإلا فلتعتذر وتعلن عجزها وتفسح المجال لغيرها، لعل غيرها أقدر على حل المشكلات، وعلاج الأزمات.
إن أزمة المياه الطاحنة التي تعاني منها معظم مناطق المملكة تؤكد عجز الحكومة عن القيام بأبسط واجباتها تجاه المواطنين، والمشكلة ليست نقصاً في المياه بعد موسم مطري ممتاز، بقدر ما هو عجز إداري يفاقم المشكلة ويزيد من آثارها المدمرة في ظل موجة حر متواصلة وغير مسبوقة، فأصبح المواطن بين نارين وعذابين، يزيدهما اشتعالاً انقطاعات الكهرباء بين الحين والآخر!!
إن المياه من ضرورات الحياة التي لا غنى عنها (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، وإن توفيرها من ألزم واجبات الحكومة، ومن الأولويات التي يجب أن تكون محط اهتمامها ومتابعتها، وأعجب من حكومة بجميع طاقمها ووزير المياه المختص تقف عاجزة عن حل أزمة المياه التي تتفاقم يوماً بعد يوم، ولا يجد المواطن سوى الوعود والمماطلة، وأصبح المواطن يتفقد حنفية الماء كل لحظة عل نقطة ماء تطل، أو وعد يصدق.
طبعاً نحن لا نتحدث هنا عن مياه الشرب التي تخلت عنها الحكومات منذ زمن بعيد، وأصبح المواطن ضحية للقطاع الخاص ويدفع فاتورة شهرية لا تقل عن 15 ديناراً، وإنما نتحدث عن ماء للاستخدامات المنزلية عدا الشرب. ولو أردنا الإنصاف لوجب أن تتحمل الحكومة فاتورة مياه الشرب، وأية مياه يشتريها المواطن نتيجة انقطاع المياه، كونها نتجت عن عجز وتقصير حكومي، وعدم قدرة عن القيام بأبسط المهمات الحكومية.
إن مبررات الحكومة بشح الموارد المائية، وتلاعب المواطنين، وانقطاع الكهرباء كسبب لأزمة المياه لا يقنع أحداً، ولا يعفيها من مسؤولياتها، بل إن هذه المبررات لا تقنع الحكومة نفسها، وإن كانت تسوقها علينا لتتخلى عن مسؤولياتها، إذ إن من واجب الحكومة أن تجد الحلول اللازمة، وتضع الخطط البديلة، وخطط الطوارئ، وأن تبادر إلى توفير مصادر بديلة بالتعاون مع دول الجوار العربي، أو تحلية المياه، أو البحث عن مصادر جوفية جديدة، أو بتجميع المياه المطرية، وغير ذلك من الحلول التي لا تخفى على أي حكومة وطنية مخلصة.
إن حرمان أحياء ومدن كاملة من المياه ولمدد طويلة، تحت أي ذريعة كانت هو نوع من ممارسة الإرهاب على المواطنين، إن لم يكن إعلان حرب عليهم، فقد كانت المياه وما زالت من أهم عوامل النصر والهزيمة في المعارك، إلا إذا كانت حكومتنا الرشيدة تجرب بروفات لحرب مياه قادمة، من أجل أن يتعلم المواطنون الصبر والتكيف مع الأوضاع!
إن أزمة المياه إن لم تحل جذرياً وبسرعة قد تسبب كوارث صحية وبيئية، بل وتهدد الأمن الاجتماعي لأثر الماء البالغ على النفوس والقلوب والمزاج العام، لأن حرمان المرء من الماء يجعله متوتراً متذمراً قلقاً، يغضب ويثور لأتفه الأسباب وأبسطها.
وأخيراً إذا كانت الحكومة عاجزة عن حل مشكلة أساسية هي مشكلة المياه، فإنها عن غيرها أعجز، ولا جدوى من مطالبتها بحل مشكلة المعلمين وعمال المياومة وملف الانتخابات والإصلاح السياسي والاجتماعي، وحل مشكلة الميزانية والمديونية، وغلاء الأسعار ومشكلة البطالة، والحريات الإعلامية. ونصيحة: اغسلوا أيديكم من هذه الحكومة. وللحكومة أقول: رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه، فلا تكابري، فالتنحي أسلم وأكرم!!
mosa2x@yahoo.com