منذ فترة طويلة ونحن نشعر في بلادنا بأن القطاع العام أصبح غير منتج وأن القيمة المضافة التي يحققها أو يضيفها أقل بكثير من حجم التكاليف المالية التي تنفق عليه ، ولا يخفى على أحد أن وجود القطاع العام ضروري في الدولة حتى لو كان يعلب دور المراقب والحارس على الفعاليات الأخرى العاملة في الاقتصاد ، وفك النزاعات العشائرية التي تظهر بين الحين والآخر في مناطق مختلفة .
ولكن في الفترة الأخيرة أصبحنا نرى بكل وضوح عجز القطاع العام عن إدارة دفة الاقتصاد وضعفه في توجيه السياسات الاقتصادية التي تحقق التنمية المنشودة ، وقد اكتفت الحكومات الأخيرة بسن وتشريع المزيد من الضرائب على كاهل الأردنيين التي أصبح مجيء أي حكومة جديدة يعني المزيد من الضرائب ، وتبني برامج إصلاح جزئية وسياسات اقتصادية لا تستمر طويلاً بل تعجز عن تحسين الأداء العام في الدولة ، وبالنهاية تندثر هذه البرامج وترمى الكشوفات والحسابات المالية التي أنفقت عليها في أدراج الوزراء المسؤولين .
في ظل عجز القطاع الخاص عن تقديم رؤية اقتصادية بديلة قادرة على مليء الفراغ الذي سببه القطاع العام ، بل أصبحت سياسات الحكومة فرصة لإنعاش جيوب القطاع الخاص وزيادة خزائنه ، حتى أصبح العامل الوافد هو المحرك للكثير من الفعاليات التي يدرها القطاع الخاص بالتالي هذا يقلل من دورة الدخل في الاقتصاد ويزيد من تسرب الدخل إلى الخارج .
هناك مجموعة كثيرة من الأسباب التي قللت من نمو القطاع العام رغم أنه مازال المحرك الرئيسي للاقتصاد ،وتبين الملاحظات بأن هناك فجوة كبيرة بين الشعب وبين معظم الحكومات التي تحكمه والسبب هو أن الوزراء العاملين في معظم يعيشوا في بروج عاجية تجعلهم ينفذون سياساتهم من داخل الغرف المغلقة الحالمة البعيدة عن الواقع المعيشي للمواطنين ، لذلك نجد أنه قلما تنجح هذه السياسات أو البرامج في اجتثاث المشاكل التي تواجه إدارة القطاع العام ، أو حتى داخل الهيئات الحكومية أنفسها ، بل أصبحت سكرتيرة الوزير أو المدير هي المرجع الرئيسي للمدراء والمسئولين في الوزارة خاصة في ظل انشغال معاليه بأمور الوزارة التشريفية وحفلات الاستقبال .
كما أن سياسات تعيين المسئولين ما تزال حبر على ورق ولم يتجرأ لغاية الآن أي مسئول على تنفيذها أو تطبيقها على أرض الواقع ، ونجد أن الكثير من التعيينات الحكومية في المناصب العليا وحتى المناصب الدنيا في بعض الوزارات والهيئات الحكومية الحساسة تعطي المحسوبية والواسطة الجزء الأكبر ، وبمراجعة الكثير من الأسماء التي تم تعيينها خلال الفترة الماضية ما هي إلا امتداد لأسماء الآباء و الأجداد الذين شغلوا مناصب في الماضي ، وقلما نجد أسماء جديدة قائمة على الكفاءة والاختصاص الذي أصبح آخر معيار للحكم على شخصية المسئول أو الشخص المنوي تعيينه ، بل أنه قد يصبح حجة على كل شخص ليس له واسطة أو محسوبية .
الفساد جزء لا يتجزأ من العوامل الكثيرة التي تعتبر مؤخرة أو معيقة لنمو القطاع العام فوضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب كفيل بتدمير أي مؤسسة مهما كانت كبيرة وناجحة ، وربما هناك الكثير من الشواهد التي تبين أن البعض من المدراء الذين أخفقوا في إدارة مؤسساتهم أو مواقعهم الوظيفية السابقة تم ترقيتهم ونقلهم إلى مواقع أخرى أكثر تميز ، ولكن أما آن لعملية الدوران الوظيفي بين كبار المسئولين أن تنتهي .
في إحدى المرات التي تقدمت بها لشغل وظيفة خارج الأردن كان هناك 5 وظائف أخرى قد تم تعيين أشخاص عليها ، والأسباب التي دعت لتعيينهم حسب تصريحات المدير آنذاك أن واحد منهم يتقن اللغة البدوية لذلك تم تعيينه في دولة خليجية ، وآخرين بحكم موقع والديهما السابق . أسباب مقنعة وحري أن يتم الركون إليها لتعيين قادة المستقبل .
\" أي شي غاد بلا نمو بلا بطيخ \" .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعـــة الخــــرج
Nsour_2005@yahoo.com