يرى بعض المفكرين بأن المخلوقات التي تعيش حالياً في بيئة الأرض، إنما هي موجودة بسبب ما يسمى بظاهرة الانتخاب الطبيعي أو بمعنى آخر الحياة للأقوى! ومن بعض مظاهر القوة لبعض الفصائل هو تجمعاتها، أو عظم أجسامها الخ، إلا انه من المنطق أن يعتمد الإنسان \"الذي كرم في البر والبحر أي ميّز على سائر الخلائق\" أسس أسمى من تلك المذكورة أنفا، وذلك من خلال الاحتكام عند الاختيار، إلى مفهوم الانتخاب العقلاني أو الفكري، لفرز الأكفأ، فالعقل والمنطق والحكمة ملزمان للجميع ولا يخرج عنهما عاقل.
يحاول مجلس التعليم العالي في هذه الفترة، اختيار رؤساء ِللجامعات الرسمية، ويأتي هذا الإجراء تنفيذاً لأحكام قانون الجامعات الأردنية الجديد، الذي يشير إلى أن رؤساء الجامعات ونوابهم والعمداء مستقيلون من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية. عند مراجعة مواد القانون الناظم لعملية اختيار رئيس الجامعة يتبين لنا منها ما يلي:
يكون لكل جامعة رئيس متفرغا لإدارتها، ويشترط أن يكون أردني الجنسية وأشغل رتبة الأستاذية. ينسب مجلس التعليم العالي لجلالة الملك أسماء هؤلاء المرشحين، لهذه المواقع، بحيث يعين رئيس الجامعة الرسمية بإرادة ملكية سامية.
وعلى الرغم من سلاسة هذه الإجراءات، التي تضمنها القانون المؤقت ويسرها في عملية التنسيب، إلا أن عدة أسئلة تبرز دائماً، عند الوصول إلى هذه المرحلة في كل مناسبة تعيين رئيس جامعة أو أكثر، وهي:-
1- أليس من باب المساواة في إعطاء الفرص، أن يتم الإعلان عن الشاغر، وفتح باب تقديم الطلبات لكل من يجد في نفسه القدرة على العطاء، وبما يتناسب وعظم المسؤولية؟
2- هل لخصوصية الجامعة دور أو وزن في اختيار رئيسها؟ اخذين بعين الاعتبار أهدافها ورسالتها، ومدى ملائمة تخصص الرئيس القادم لتلك العوامل الأساسية، والتي يجب أن تكون ذات أهمية في تحديد شخص الرئيس المنتظر؟ إذ انه من المتوقع، بل ومن الضروري والمهم جداً والمنطقي أيضا، أن يكون رئيسها أستاذا ذا دراية بها، تتناسب خبرته مع طبيعتها وعلى اطلاع على خباياها وليس مستورد لها!
3- هل يتم الطلب من المرشحين لتلك المواقع تقديم خطط عمل، أو برامج استشرافية، تتناسب وطبيعة الجامعة، وأوضاعها المالية والإدارية، مستذكرين القدوة الحسنة التي وضعها جلالة الملك حفظه الله في خلوة البحر الميت، قبل فترة وجيزة، حيث طلب من المرشحين آنذاك الكشف عن برامج أعمالهم للمواقع التي كانوا بصدد استلام مهامها؟
4- هل يطلب من المرشحين وضع تصورات لمعالجة مشكلة هجرة المدرسين مثلاً، أو اقتراح حلول للنهوض بوضع الجامعة الأكاديمي، وجلب المزيد من الكفاءات أليها؟
آخذين بعين الاعتبار أن دراسة السيرة الذاتية وحدها، للمرشح، غير كافية في هذه الحالة، وذلك لأنها تقيّم ماضي المرشح ونتاجه العلمي أكثر مما تعنى بتقييمه لواقع الجامعة، وتوجهاته الإصلاحية التي يمكنه طرحها بهذا الخصوص.
في رأيي إن العديد من هذه النقاط لو اعتمدت فستفرز الرئيس الأنسب والأقرب لطبيعة الجامعة المعنية، وان التعاطي معها جميعاً سيجعل من عملية اختيار رئيس الجامعة تحصل في مناخ أكاديمي، عادل، علمي، استشرافي، يتعاطى واللحظة التي نعيشها ويتمشى مع النهج الملكي السامي، الذي يحض على الشفافية، والإجراءات الحكومية الراشدة التي تصر على وضع الخطط والبرامج واختيار الأكفأ، والحفاظ على المكتسبات والنهوض بالمؤسسات. وحيث أن هذه التعيينات هي الأولى التي بادر بها مجلس التعليم العالي، فلتكن آلية وإجراءات اختيار الرؤساء الجدد هي القدوة، في عمل مؤسساتنا التعليمية وغير التعليمية الغالية على قلوب الاردنيين.
muheilan@hotmail.com