لم أؤمن بصحة المثل الشائع \"إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب\" إلا في عهد هذه الحكومة التي أصاب النحس تصريحات وزراءها، فأصبحت أغلب تصريحاتهم مطبات ومآزق وحفر للحكومة، ومعاول هدم لها، بل ولطمات توشك أن تكون عليها!!
ورغم جيوش المستشارين المنتشرين في كل الوزارات، وفيالق الناطقين الإعلاميين، إلا إن الصواب ما زال يجانب بل ويجافي بعض وزرائنا الذين أظهروا ضعفاً في التواصل والأداء، وعدم التوفيق في سياسة التبرير، ويبدو أن بعض الوزراء بحاجة إلى حجاب ليخفف عنهم بلاء تصريحاتهم وأقوالهم، والبعض يحتاج إلى كمامة توضع على فمه فلا يتكلم إلا همساً بينه وبين نفسه، فالإعلام بالمرصاد، ولسانك حصانك!!
آخر حلقة من مسلسل التصريحات غير الموفقة ما كتبه وزير الطاقة خالد الإيراني على صفحته في موقع \"تويتر\"، حيث اتهم بعض الصحفيين بالجهل وعدم الاطلاع، ويريد معاليه أن نسبح بحمده وحمد وزارته إن مر يوم دون انقطاع للتيار الكهربائي، وأن نغض الطرف إن حدثت انقطاعات بسبب الظروف الطبيعية غير الاعتيادية.
ربما نسي معالي الوزير أن مهمته الأساسية أن يتدارك أية ظروف طارئة وغير اعتيادية، وأن يحسب لكل حالة حسابها، وخاصة أن الظروف غير الاعتيادية لم تكن مفاجئة، فقد بشرت بها الأرصاد الجوية قبل أسبوع أو أكثر من حدوثها، أما الظروف العادية فلا تحتاج إلى تدخل وزير ولا حتى مدير، فالأمور تسير كالعادة ولا تتطلب جهداً من أحد سوى متابعة بعض الفنيين، وإذا ظن معاليه أنه يجب أن نتسامح معه ومع وزارته في الظروف غير الاعتيادية فقد أخطأ العنوان، ونسي أنه يتربع على كرسي وزارة مهمة جداً، ومن مهامه أن يجترح الحلول غير الاعتيادية، وأن يضع خططاً للطوارئ، وأن لا يؤخذ ووزارته على حين غرة.
في المقابل يأتي تصريح نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية نايف القاضي : \"أن الحكومة تتحمل المسؤولية بالكامل تجاه هذه الأزمة وأنه يجب أن تكون هناك حلول فورية وسريعة كما يجب ان تكون هناك حلول احتياطية في مثل هذه الظروف مشيرا إلى ان هناك توجيهات ملكية للحكومة لحل هذه الأزمة بشكل فوري وخلال فترة قصيرة من الوقت وأن الأزمة أصبحت من خلفنا.\" يأتي قوله دليل حكمة واعتراف بوجود تقصير حكومي، وأن الوزارات المعنية لم تواكب الظروف، وبقيت تراوح مكانها تنتظر أن يأتيها الفرج من السماء، وهذا التصريح لا يخرج إلا من رجل دولة يعي مسؤولياته، ويحترم مواطنيه، ولا يستخف بعقولهم.
شتان شتان بين تصريح يتنصل من المسؤولية ويطلب منا أن نتساهل ونتفهم، وبين تصريح شجاع بتحمل المسؤولية ويؤكد عدم وجود حلول احتياطية جاهزة، وأن بعض وزاراتنا تسير على البركة.
في كل دول العالم التي تحترم ناسها ومواطنيها تضع كل وزارة حزمة من الخطط البديلة لتنفذها عند الطوارئ، وتكون في قمة جاهزيتها مهما حدث، أما أن تختلط الأمور وتتولد الأزمات وتتفاقم الأوضاع جراء تقصير واضح بين في وزارتي المياه والطاقة، فهذا أمر مرفوض يسيء إلى أردننا الحبيب ومواطنيه الصابرين، ولا يقبله مسؤول مخلص منتم إلى تراب هذا البلد الطهور!!
الأردن بحاجة إلى وزراء ميدانيين يتفقدون مؤسساتهم ومديرياتهم ومشاريعها، ويقومون بالتأكد من سير العمل على أكمل وجه، وأن لا مشاكل أو عقبات، وأن يعالجوا ميدانياً وفوراً أي مشكلة أو صعوبة تحدث، وأن يتحدثوا إلى المواطنين ويستمعوا إلى شكاويهم فالمواطن لا يشتكي إلا مضطراً وقد بلغ السيل الزبى، وأن يتخلى الوزراء وخاصة وزراء الخدمات عن عبادة الكرسي والحرص عليه والجلوس في المكاتب الوثيرة المكيفة المحاطة بالحسان من كل الألوان، وأن يعلموا أنهم كلفوا بهذه المهمة لخدمة المواطنين وتسهيل حياتهم وحل مشاكلهم، لا ليحبسوا أنفسهم في أبراج عاجية يقضون أوقاتهم مع \"تويتر\" يشتكون ويتبادلون النكت ويتهكمون على أبناء البلد الطيبين الطاهرين.
لو عاش كل وزير من الوزراء مع الناس وعانى يوما ما مما يعانون، لسارع إليهم يبحث عن مشاكلهم ليحلها، ويسعى إلى تخفيف معاناتهم، ولكن أغلبهم هبطوا إلينا بالبراشوت، فلا يعرفون ما يجري على الأرض، ولا يهمهم ما يحدث، ولا يعنيهم شبع الناس أم جاعوا، شرب الناس أم عطشوا، شفي الناس أم مرضوا، لبس الناس أم تعروا، استضاء الناس أم أظلموا!!
لا نطلب مستحيلاً، ولن نركب مركباً صعباً إن دعونا الله أن يخفف الله عنا وطأة هذه الحكومة، وأن يزيحها عنا وعن كواهلنا، فقد ذهب الصالح مع الطالح، وأساء البعض للكل، وعم البلاء، وأصابنا العطش وغمرنا الظلام في عصر وزراء التويتر والتوتير والديجتال!
mosa2x@yahoo.com