د.بسام البطوش
من يرقب المشهد الأردني يجد كثيرا من الحق والحقيقة والانصاف والروح الوطنية النزيهة تطفو على مساحة وجه الوطن الطيب،لكنه يجد أكواما من الباطل والأوهام والتجني والتحامل والزيف والادعاء والاستقواء تعترض مسيرة الوطن.
في ظل هذا الواقع المربك يمرالأردن بواحدة من أدق اللحظات التاريخية المثقلة بالتحديات السياسية والاقتصادية والأمنية،في حين تتلهى \"النخب\" عن التصدي لهذه التحديات بكثير من العبث والكسل العقلي والعضلي! بل والتفاني في
إرباك المسيرة.
لو نظرنا في الملفات الوطنية ذات البعد الاستراتيجي لوجدناها تتطلب تركيزا أردنيا أسطوريا؛فتطورات المشهد الفلسطيني والأقليمي العام في العراق وايران ولبنان تنعكس بشكل مباشر على المصالح الأردنية الصميمة المرتبطة بوجود الأردن ومستقبله! مما يتطلب أردنيا متابعة حثيثة ورؤية واضحة وبدائل متنوعة وخيارات مفتوحة وتماسكا وطنيا صلبا!لكن التحديات والمخاطر لا تقتصر على المشهد السياسي بل تتعداه الى المشهد الاقتصادي المثقل بهموم الموازنة والمديونية ومدى القدرة على توفير قيمة فاتورة الطاقة،مترافقا هذا مع العزم على أو الشروع في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى المتعلقة بملفات الطاقة والمياه وتحدياتها وكلفها الباهظة، مضافا لها ملفات اصلاح التعليم العام والعالي لتعزيز القدرة التنافسية للمنتج التعليمي الأردني،إلى جانب جملة ملفات تتصل بقضايا الأمن والزراعة والصحة والغذاء والبيئة والسياحة والشباب والبنى التحتية والاستثمار والبطالة والفقر والترهل والفساد. إذا نحن أمام حزم من الملفات الشائكة التي تتطلب جهدا وطنيا عاما رسميا وأهليا على قدر عالي من التماسك والتناغم والتكامل وحتى الانضباط والصرامة.
عرفنا محاولات لمواجهة هذه الملفات المعقدة عبر سلسلة من اللجان والهيئات والحكومات الآتية والذاهبة،وكان حجم الانجاز في كثر من الحالات لا يقاس بمقدار التقدم،بل بالقدرة على وقف التراجع!وسجلت نجاحات لا يدركها ولا يعترف بها المزاج الأردني بطبيعته المعروفة! وكانت هنالك اخفاقات فرضتها أسباب وعوامل ذاتية وموضوعية بعضها خارج عن الإرادة الأردنية البحتة!وبعضها ناجم عن ضعف في الأداء الوطني العام!
التعاطي الأردني الرسمي مع هذا المشهد بالغ التعقيد يقوده جلالة الملك بشكل مباشر في كثير من الملفات،ويفترض أن الحكومات والمجالس النيابية الأردنية المتعاقبة تتحمل واجباتها في تعضيد الجهد الملكي وإسناده والاسهام في تحقيق الرؤى الملكية،وينتظر من القوى الوطنية على اختلاف مواقعها ومواقفها أن تسند الجود الملكية وترفد مسيرة العمل والانتاج ،لكن النمطية الأردنية المعتادة في صراع القوى والصالونات والشخصيات والمدارس والاحلاف،والتطاحن على المصالح والمكتسبات والاحتكارات كانت تجرد السلطات التنفيذية والتشريعية من قدراتها الحقيقية،وتحيلها إلى أعباء وهموم أخرى يتوجب على جلالة الملك حمايتها ومعالجة اخفاقاتها والتعويض عن عجزها بجهد ملكي مضاعف!كما تحيل القوى المعارضة إلى مجرد حالة صوتية مثيرة للاحباط والتشاؤم والتشكيك.
نحن إذا أمام جهود ملكية خارقة لمتابعة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل،إذ يتسمر الأردنيون في مواجهة المشكلات منتظرين المبادرات الملكية ليس فقط على صعيد الرؤى والسياسات بل وعلى الصعيد التنفيذي الاجرائي لحل مشكلات بسيطة وتفصيلية تواجه المواطن البسيط على امتداد التراب الأردني!وهذا أمر غاية في الصعوبة والتعقيد والسلبية!ومما زاد في خطورة ما يجري ذاك الانسحاب العام من ميادين الانجاز لصالح التخندق ليس على جبهة السلبية والاحباط والعدمية فقط، بل المرابطة والتموضع على جبهة العنف المجتمعي، والدخول في موجات متتالية من التخذيل والتشكيك والسوداوية،وخلق حالة من جلد الذات تقودها الشخصيات الوطنية التي تتداول المواقع والمناصب،وتحرص على إدامة حالة التطاحن والحفر تحت أقدام من يتولى السلطة،والتباهي بالنجاح في إحباط الحكومات وارباكها!وتشارك القوى الحزبية والنقابية في هذه العملية ؛فهي إما تهرب وإما تضرب، وتسهم فيها مؤسسات المجتمع المدني التي تحول كثير منها الى مجرد هياكل بلا مضمون،أو إلى الإشتغال بجزئيات وأجندات تتصل بالتشهير بالوطن والاستقواء عليه بالسفارات والمؤسسات الدولية والصحافة الغربية ! لكن هذا لا ينفي وجود قوى وطنية مخلصة ، لكنها تائهة وحائرة لا تتقن قراءة المشهد بوضوح، ولا تمتلك أدوات التأثير في مجرياته، ولا تعرف ما هو المطلوب منها تحديدا! ولا ننسى وجود شخصيات وطنية مخلصة ومجربة ونزيهة ،قلوبهاعلى الوطن ومصالحه ،لكن ميكانزمات فرز القيادات وصناعتها، وقواعد الحراك السياسي جعلت من المستحيل عليها الاقتراب من مواقع العمل والعطاء والانجاز،وحالت دون تشرفها بمساندة الجهود الملكية،وتحمل أعباء الخدمة الوطنية العامة باخلاص وتجرد!
وإلى أن تتغير أنماط وقواعد اللعبة السياسية، وأسس وروافع اختيار القيادات والمسؤولين وانتاج الحكومات والمجالس النيابية، سنبقى رهائن المشهد الأردني القائم القاتم،وسنبقى نرقب جهدا بل جهادا ملكيا خالصا ومخلصا ومنفردا - هذا مع ايماننا بالجهود المخلصة للجيش العربي والأجهزة الأمنية – لإدارة دفة السياسة الوطنية بكل ملفاتها وتفاصيلها الداخلية والخارجية!في ظل غياب مفجع للقوى الوطنية الحيّة المخلصة، وتنمر أصحاب الأجندات على الوطن وأهله، واستماتة النخب السياسية في الموالاة والمعارضة في إفشال من يضع جلالة الملك ثقته فيهم!! وفي تفريغ أي خطوة إصلاحية من مضامينها !! كان الله في عون سيدنا، وحمى الله وطننا،وأعان الشرفاء على مواصلة السير على دروب الولاء والانتماء.
Bassam_btoush@yahoo.com