زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا يقف رئيس الوزراء عبدالله النسور عند حدود فاصلة، عندما يتعلق الأمر برغبته في البناء على تصورات البقاء لأطول فترة ممكنة في صدارة الحكومة ومؤسسة الحكم مواصلا مشواره في تعديل الأجندة الإقتصادية ورفع أسعار المحروقات والانتقال لإعداد «إحصاء سكاني» نادر في مرحلة دقيقة إقليميا.
لدى النسور فرص طيبة ووافرة لكي يقول لكل خصومه والمتمنين رحيل حكومته بأنه «باق ويتمدد» لأطول فترة ممكنة حتى وإن بدأ سكان الطبقات السياسية العليا يطرحون تساؤلات حرجة من مستوى الحديث عن تجاذبات بين الحكومة ورجال من القصر الملكي، أو على مستوى توقع رحيل الوزارة بسبب «تقادمها».
الرسالة الأخيرة في هذا السياق هي إعلان النسور عن إجراء الإحصاء المركزي للدولة خلال الشهرين المقبلين، وهو عملية شرسة وواسعة وتتمتع بأهمية استثنائية وتتعلق بتدوين وتوثيق الإحصاءات الرقمية، لكل من يسكن المملكة مع جمع كل البيانات الشخصية والعائلية المطلوبة.
الإحصاء حسب ما أعلن النسور لن يكون «سياسيا ولا مسيسا» ولن يشمل الأسماء بل الأرقام وسيطال كل مقيم وزائر ولاجئ وسائح في المملكة، ولن ينطوي على أهداف سياسية.
لكنه لن يتعلق بأي ملف سياسي، بما في ذلك ملف اللاجئين السوريين، وإن كان الإحصاء العام الأول بعد اندلاع ثورات الربيع العربي وفي ظل التوترات الإقليمية الحادة.
اتجاه الحكومة الأردنية نحو الإحصاء المركزي الشامل لتوفير قاعدة بيانات عملاقة تفصيلية يعني، وبالرغم من إيحاءات الموقف الرسمي المعاكسة، بأن قرارات «سياسية وسيادية» مهمة في الطريق وتحتاج إلى غطاء رقمي وقاعدة معلومات أقر النسور بأنها تساعد صناعة القرار والسياسة.
الأردن عمليا يجري الإحصاء وهو يواصل الاستعداد للتعامل مع تداعيات ملف اللاجئين بكل أصنافهم، بعد أكثر من عام من جمع بيانات وتقنيات قانونية تحتوي كل جدل محتمل مستقبلا في هذا السياق.
ولم يعد سرا ان جمع البيانات لا يتعلق فقط بالجانب الإحصائي الذي يمكن ان يخص ملفات شائكة، مثل اللجوء بنسخته العراقية أو السورية أو الفلسطينية، بل يشمل مصالح وحقوق الأفراد والحكومة وجميع أنواع التعويضات المحتملة.
الاتجاه نحو الإحصاء خطوة بالتأكيد مؤطرة زمنيا، لكن يمكن استثمارها وتوظيفها جيدا في كل الأحوال لخدمة أجندة بقاء الحكومة لأطول فترة ممكنة رغم الضجيج الذي يطالها ويتحدى مسيرتها.
أو على الأقل يمكن عبرها الإيحاء بأن الحكومة منشغلة ببرنامج عملها الاعتيادي المكثف وتعمل على الملفات الاستراتيجية والأساسية من دون أدنى تأثر أو استسلام بالشائعات وتكهنات رحيل الحكومة وضغط اللوبيات السياسية والبرلمانية.
وهو وضع تكتيكي مسيس لا يمكنه إلا مساندة رغبة رئيس الحكومة في إسناد الدعامات التي تقترح بقاء فريقه الوزاري لأطول فترة ممكنة حتى في ظل القراءات السياسية المعاكسة والتي برزت مؤخرا داخل قنوات الدولة للرئيس نفسه ولحكومته.
مضادات تآكل حضور الحكومة والسعي لإنتاج مبررات وطنية أكثر لاستمرار وجودها هي المحطة الأهم اليوم في حسابات النسور السياسية، وهي عملية بدأها الرجل أصلا في تبني قانون الانتخاب الجديد الذي أثار شهية دعاة الإصلاح السياسي بعد عناوين إغلاق ملف الصوت الواحد.
لاحقا يحاول النسور الإحاطة بكل المساحات التي يمكن ان تساهم في تغذية تآكل حكومته، وإن كانت الخصومات السياسية وتحديدا مع بعض رجال الدولة والقصر النافذين، تحاول إظهار سلبييات الحكومة والتغطية على إيجابياتها، خصوصا تلك المتعلقة بالحفاظ على استقرار الخزينة العامة مباشرة، بعد الحراك الشعبي الأخير وفي ظرف اقتصادي ومالي حساس للغاية.
التوازنات الاقتصادية لحكومة النسور لا أحد ينكرها، لكن شكاوى القطاع الخاص والمتنمرين من المستثمرين بدأت تضغط على الحلقات المفصلية في الحكومة التي يقول الكثير من الساسة انها دخلت في مستوى «الضجر البيروقراطي».
القدس العربي