التشريف والتخويف والاوقاف..!
محمد حسن العمري
-1-
قبل سنتين على التقريب ، وفي صلاة التراويح بمسجد الكالوتي بعمّان، كان ثمة لجنة نظام ترتدي زيا موحدا ، يشبه ما يرتدية عمال الامن
في المراكز التجارية ، تتولى تنظيم و ترتيب اصطفاف ومواقف السيارات على نحو محترف ، وهذا العام شاهدت ذات الظاهرة تنتقل الى عدد كبير من مساجد غرب عمان ، تتولاها لجان تطوعية منظمة !
-2-
قدم الاعلامي السعودي احمد الشقيري حلقة خاصة خلال شهر رمضان الجاري عن رعاية المساجد في ماليزيا وسنغافور ، بطريقة مهنية من الممكن وصفها بانها خدمة فندقية اذا ما قيست بالبلاد العربية ، وكانت المفارقة ان من التقاهم من العرب يعتقدون ان المساجد هي فقط للصلاة ولا تحتاج اصلا للرعاية المميزة التي يتلاقها رواد المساجد في ماليزيا وسنغافور ، من الاستقبال والتوعية والتنظيم وغرف الاستراحات التي هي على غرار غرف الفنادق ، المهم العرب حيث انطلق الاسلام وبه انتشر ، يعتقدون ان المساجد فقط للصلاة وليس غير الصلاة..!
وفي دعوة الشقيري الى ان تاخذ المساجد دورها في البلاد العربية محاذير كثيرة سببها بالدرجة الاولى الجهات الامنية والجهات الرسمية التي ترعى المساجد..!
-3-
تعتقد الحكومات العربية كلها ان المساجد يجب ان تحضع لرقابتها تلافيا لاي تنامي لتيارات اسلامية تستخدم المساجد ، وهذا ادى الى تغييب دور المساجد بالكامل وجعلها بالفعل كما يراها العرب ليست الا للعبادة ، وجعل الجيل الذي شهد الصراع السياسي بين التيار الديني والحكومات يحذر ابناءه من اي دور ممكن ان يلعبونه في النشاطات حتى الدينية للمساجد..!
-4-
لا يمكن الحديث عن رعاية المساجد في الاردن دون الحديث عن الدور السلبي لوزارة الاوقاف حال اكثر الدول العربية التي يقتصر دورها في المساجد على الرقابة ، وليس الرعاية وهي في الغالب تقوم ما يمكن ان يناط بوزارة الداخلية وليس الاوقاف ، وفي حدود علمي باستثناء المساجد الرسمية (!!) المعدودة على الاصايع فان بناء المساجد هو ما تقوم به جهات اسلامية وعائلية وفردية بعيد عن اي دور للاوقاف فيه ، طبعا يظهر هذا مليا حتى في اسماء اكبر مساجد الاردن التي هي باسماء شخصيات وعوائل ( ابو درويش ، ابو قورة ، الطباع ، الزميلي، ابو غزالة ، ابو عيشة ، الكردي ،و العساف ) ، وفي اغلب الاحيان يكون دور الاوقاف هو فرض الوصاية ليس اكثر ، ولا يمكن الحديث ايضا عن رعاية المساجد في الاردن دون الحديث ايضا عن دور وزير الاوقاف الحالي في تجربة ، وصاية سابقة و كاملة على المساجد..!
-4-
تم تقوية الوزارة الحالية بالوزير المخضرم الدكتور عبدالسلام العبادي الذي اثير لغط كبير في وزاراته السابقة التي تولاها وهو ربما يكون اطول وزير في تاريخ الاردن يتقلد وزارة نحو ثمان سنوات متوالية دون انقطاع غير الوزارت الاخرى المتقطعة ، كان مثار اللغط وهو ما ينكره معالي الوزير ان وزارة الوقاف تولت توظيف وتعزيز مكانة طائفة اسلامية مغمورة في سبيل قطع الطريق على التجمعات الاسلامية الاخرى كالسلفية والاخوان والصوفية والدعوة ، كان هذا هو دور رعاية المساجد على الطريقة العربية ادى الى تداعيات كبيرة اضطرت الحكومة الاردنية وتحت ضغط الى خروج الوزير وتوكيل شخصية اسلامية معتدلة هو الدكتور احمد هليل الذي كان قريبا من القصر باعتباره امام الحضرة الهاشمية ، ومقرب بشكل متوازن مع كل الطوائف الاسلامية والذي سعى الى اعادة توزان عقد كامل من الرعاية (العسكرية) للمساجد..!
-5-
باعتقادي الشخصي اليوم ، ان الاهتمام بدور المساجد في المجتمع المدني والذي تخشى منه الحكومات العربية هو الضمان الوحيد لحماية اجيال عربية قادمة من الانزلاق في مهاوي كثيرة من الضياع والفراغ والمخدرات ، لو كانت الحكومات تقدر ذلك ، وهو ما قامت به حكومات عربية علمانية اذ دعمت التدين وتطوير المساجد لحماية الشباب في ظروف معينة ، حال انتشار الفساد في العراق ابان الحصار الذي عزز دور الحكومة في توجيه الشباب الى المساجد ، خلاف ما تقوم به دول عربية اخرى مثل تونس التي تمارس سلطة عرفية متسلطة على المساجد..!
-6-
وعود الى دعوة الشقيري الى تطوير دور المساجد ، فالدور باعتقادي هو على كاهل الجهات الرسمية ، فرعاية المساجد تشريف لكل مسلم ، لكن بعيد عن دور التخويف الذي تفرضه الحكومات العربية على هذا الدور ، وتجعل من وزارات الاوقاف وزارات داخلية لكن من غير رجال (الدرك)..!