أهل الزراعة من القطاع الخاص، هم ملوك الأرض والأسياد الحقيقيون للإنجاز والنهضة الزراعية في الأردن, كما أن الخبرات الزراعية الأردنية هي سيدة الخبرات وقائدة المسيرة الزراعية في معظم الدول العربية والمحيطة والبعيدة. ومع كل هذا فإن المزارع ذاته القائد تمر عليه أيام سوداء يندم على اليوم الذي فيه زَرَع.
قبل يومين أشارت إحدى الصحف - وليس جميعها - أن المزارع الأردني يبيع صندوق البندورة من مزرعته بقيمة 38 قرشًا ( الصندوق يزن 7 كيلو !), وهو السعر نفسه الذي يباع فيه كيلو البندورة في السوق للمواطن الكريم. السبب في هذا هو قرار الحكومة الرشيد في منع التصدير, قراراً وجاهياً غير قابل للطعن أو التفكير.
المزارع يحسب أموره في دقة عجيبة جداً ويتوكل على الله بطريقة رائعة جداً, هو يبرمج زراعته ويخطط لها بحيث يتحين مواسم البيع والطلب المرتفع أملاً في أن يبيع محصوله بالكامل وبسعر مناسب بحيث يغطي مصاريف الإنتاج ويحقق ربحا يغسل به خساراته في زراعات سابقة أو لاحقة. وشهر رمضان أحد هذه المواسم المفضلة للمزارع ولجميع قطاعات الإنتاج، منتهى التخطيط والله.
هل يتم صناعة القرار الحكومي بالطريقة ذاتها؟ أي هل يحسب المسؤول تبعات قراره في الدقة نفسها؟ وهل يتق اللهَ من يصنع القرار في أنّه وبجرّة قلمه ( المُذهّـب ) سوف يجر رقاب قطاعات من أهل الإنتاج إلى ساحة الديون والكوارث الاقتصادية. من أراد أن يحل مشكلة يجب أن يحذر من أن يصنع بِحَلّه ِهذا مشكلةً أكبر منها.
صحيح أن منع التصدير كان في ظاهره حماية المستهلك وحظر ارتفاع أسعار منتجات أساسية للمواطن, لكنّه كان على حساب المزارع وليس على حساب أهل التصدير وحيتانه وديناصوراته المعروفين. ألم يستطع صاحب القرار أن يخطط للمشكلة قبل حدوثها فيأمن الإضرار بمصالح المزارعين على اعتبار أنهم أيضاً مواطنين شرفاء؟ هل تفاجأ بقدوم رمضان ؟
لو أراد المسؤول خيراً بالمواطن المستهلك لبحث عن بؤرة المشكلة ومناطق رفع الأسعار الحقيقية ومناشير الاستغلال الذين يرفعون الأسعار, لا أن تحمّل المزارعَ كل المصيبة وهو لم يقصّر إذ زرع فأحسن الزراعة وأنتج فأحسن الإنتاج.
أخيراً هدّد المزارعون أنفسهم بالتوقف عن جني محصولهم العامر والخاسر من البندورة إن لم تراجع الحكومة قرارها وتتحمل مسؤولياتها وتنتصر لجميع المواطنين, لا أن تحفر هنا وتطمر هناك وتبقى المشكلة هي هي.
هذه كبوة أخرى أسجلها على صانع القرار في بلدي, سأسميها كبوة البندورة, ومن قبلها كبوات, وسأبقى أسجل وأسجل حتى يقتنع صاحب القرار أن ينظر من نافذته قبل أن يمسك قلمه.
م. جمال أحمد راتب