زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - الحصار الذي يفرضه القصر الجمهوري في دمشق ضد أي مقترحات بالتواصل أو التفاهم مع الأردن تحديدا له ما يبرره من وجهة نظر النظام السوري.
وكذلك من وجهة نظر حلفائه المبتهجين اليوم في عمان من بقايا اليسار القومي المناصر علنا لنظام دمشق.
لكنه حصار بلا مبرر أو مسوغ منطقي في قياسات الحكومة والسلطة الأردنية التي أدركت وفي وقت مبكر ان الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني سيعيد خلط وانتاج الأوراق في الملف السوري وأن الاعلان رسميا عن تدشين الوجود العسكري الروسي في الأرض السورية المجاورة يكرس القناعة بالتأسيس لقواعد جديدة للعبة، كما يؤكد لـ»القدس العربي» السياسي المخضرم طاهر المصري.
عمان التي تميزت دوما بقدر كبير من المرونة والليونة وجدت نفسها مؤخرا، وهي تواجه الحصار السوري المشار اليه، أمام اختبار حقيقي لقدرتها على تحصيل مكاسب من جراء الالتزام بالقاعدة الدبلوماسية المتجذرة في ذهن المؤسسة الأردنية وقوامها «القدرة على التحدث مع الجميع وفي الوقت نفسه».
استنادا إلى خبرات متراكمة سابقة، تحت عنوان القدرة على التحدث مع كل الفرقاء، اجتهدت عمان السياسية وحتى عمان الأمنية، ومنذ استبعادها عن محور مكافحة الإرهاب الإيراني – الروسي، في محاولة تجريب حظوظها مجددا في ممارسة أو إظهار الرغبة في ممارسة القواعد الجديدة للعبة.
رغم ان رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله النسور حذر مبكرا، وفي شهر أيار الماضي وأمام «القدس العربي» من جنوح المتشددين في النظام السوري لسياسة الثأر والانتقام الا ان عمان، وبحكم تبادل المجاملات والمعلومات مؤخرا مع موسكو، سعت نحو تبديل تكتيكي لأوضاع علاقاتها غير المستقرة مع النظام السوري في دمشق.
استندت عمان في محاولتها المستجدة الى رافعتين اخفقتا حتى الآن في اقناع القصر الجمهوري بتغيير أو تبديل موقفه إزاء أي محاولة لاستعادة الود أو الثقة أو في أقل تقدير التواصل.
الرافعة الأولى تمثلت في محاولة استثمار الحليف المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد محاولاته المتكررة لمغازلة النظام السوري والتي وصلت لدرجة التفكير بإرسال قوات مصرية مع الروسية تكافح الإرهاب داخل سوريا.
والرافعة الثانية عبرت عن نفسها بالعزف المتواصل على وتر التودد والتقرب من روسيا باعتبارها اللاعب الاأبرز اليوم والمفاوض الأهم لكل ما له علاقة بالملف السوري، وفقا للتعبير الذي استخدمه وزير الخارجية ناصر جودة، وهو يتواصل لأغراض الشرح والإفصاح مع مسؤولين في برلمان بلاده.
حتى اللحظة، رافعة السيسي لم تقرر بعد أصلا حمل أي جزء من التكتيك الأردني الجديد، وبالتالي بقيت منشغلة بنفسها ومصالحها وامتنعت عن تقديم أي خدمات بالوكالة للصديق الأردني مع النظام السوري، وهو ما رصدته غرفة المتابعة العميقة في مقر وزارة الخارجية الأردنية وفي السفارة الأردنية في القاهرة.
الرافعة الثانية المتمثلة في القيادة الروسية كثفت من اتصالاتها مع الأردن وبدأت تفتح قنوات أمنية، تحت عنوان مكافحة الإرهاب في سوريا، وتنفتح على مقترحات صغيرة تحت عنوان التعاون العسكري مستقبلا وتصر، في الوقت نفسه، على اللغة الدبلوماسية العلنية التي تعتبر الأردن شريكا مهما في مكافحة الإرهاب من دون ان ينتج عن هذه اللغة قفزات من أي نوع على صعيد تحسين مزاج العلاقة بين عمان ودمشق.
عمان تحاول المشي بين الألغام السياسية وتتقرب من روسيا، بالتوازي مع الحرص الشديد على تجنب إغضاب السعودية، حتى في إطار العلاقات المحدودة جدا مع طهران لم يحصل الأردن على أي قيمة أساسية إضافية يمكنها ان تستخدم لاحقا لتبريد حرارة المزاج السيئ في العلاقة مع نظام دمشق.
رئيس لجنة الأمن لقومي في البرلمان الإيراني عبر مؤخرا عن مستوى الاخفاق عندما وصف الأردن بأنه دولة ترعى الإرهاب وتحتضن الإرهابيين رافضا التعاون مع عمان.
لذلك كله يبدو اليوم مشهد عمان وهي تزاحم للمشاركة في قواعد اللعبة الجديدة وبالحفلة الإقليمية التي يقودها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كالتالي: إخفاق على جبهة الاستفادة من خدمات السيسي وتفويض النظام السوري له بالتوازي مع رفض إيراني لأي تعاون استراتيجي ينتهي بنظام أولويات روسي يجامل الأردنيين ويعزز موقفهم الحائر، سياسيا وأمنيا واستراتيجيا وحتى ماليا، بالمزيد من «إبر التخدير» السياسي اللفظي من دون التمكن من إجبار النظام السوري على تغيير لهجته ولغته مع الأردن. على كل هذه الأسس بقي أمام عمان تجربة محاولة أخيرة لا توجد أدلة على نجاحها، حتى الآن، في طرح رسائل مباشرة للرئيس بشار الأسد.
مرة على شكل تذكير بأن الأردن حرص على مسافة في موقفه تتباين مع موقف السعودية وقطر من الملف السوري، ومرة على شكل ترك الساحة للضجيج الذي ينتج عن احتفالات مقاولي ووكلاء بشار الأسد في الخارطة المحلية من دون مضايقة.
ومرة على شكل تأكيد بوقف نهائي وقطعي لبرنامج تأهيل وتدريب المعارضين المسلحين وأخيرا مرة على شكل التذكير بوجود كتلة ديمغرافية كبيرة من رعايا النظام السوري تحتضنهم عمان. لا جواب واضح ومحدد وصريح من دمشق إلى عمان حتى نهاية الأسبوع الحالي.
القدس العربي