يتبارى الناسُ بصورة إعتيادية ومتكررة في تلخيص المرء أو الشيء بكلمة أو عبارة واحدة، أي الحُكم المسبق على الناس وغير الناس (الأشياء)، وفي معظم المناسبات وفي العلاقات الإنسانية على وجه الخصوص مثل التعيين في الوظائف، التقييم السنوي بالنسبة للموظفين، الإختيار لموقع هام و حساس، إختيار شريك أو شريكة الحياة، وغير ذلك، بحيث ينجم عن تلك الأحكام قرارات تكون في بعض الحالات حسّاسة ومصيرية، وتضيع نتيجة لذلك الكثير من الحقوق والفرص، وفي حالات كثيرة يتعرض من حُكم عليه مسبقا إلى أشـــد أنواع الظلم والحرمان والعذاب. بعبارة أخرى قد ينجم عن الحُكم المسبق جريمة إجتماعية بشعة.
والأسئلة التي أحاول الإجابة عليها هنا هي: ما هو الحُكم المُسبق، كيف يتشكُل، ما هي أنواعه وكيف يمكن تجاوزه.
الحُكم المسبق هو تكوين إنطباع، أو هو إعتقاد أو رأي أو إتجاه أو ميل أو تعصُب مسبق أو تقديس للرأي، فيه تحيّز، إيجابي أو سلبي، تجاه الناس وغير الناس (الأشياء)، ويتكوّن أو يتشكّل لدينا بسبب أخذنا بعين الإعتبار أسسا عديدة كمبرر للإعتقاد بصحة الحُكم مثل العرق أو الأصل أو الطبقة الإجتماعية أو نوع الجنس، أو العمر، أو المعتقد السياسي أو الديني أو غير ذلك.
والحكم المسبق قد يكون إيجابيا، فيه شحن للمحبة والتفضيل لمن لا يستحق الحب أو التفضيل، أو سلبيا فيه كراهية ورفض للآخر وعدم تفضيل لمن لا يستحق الكراهية أو الرفض. وهذا الإتجاه قد يكون غير رشيد، مفرط أو تمُ تكوينه بدون معرفة كامل الحقائق عن موضوع الحُكم أو إستنادا إلى معلومات غير صحيحة أو بدون علم أو معرفة أو مقدرة على القياس.
نحن في الغالب نستند في حُكمنا المسبق، بعلمنا أو بدون علمنا، على أسس ثلاثة مترابطة وهي: الإدراك المعرفي، العاطفة (الحُب أو اللاحُب) والتحيُز بصورة مغايرة لمشاعرنا الحقيقية. هذا وتلعب عقيدة الشك والظن دورا مهما في تشكيل الحُكم المسبق.
ولأن تكوين الإنطباع أو الحُكم المسبق أو كيل الإتهامات بدون وجه حق فيه تضحية بالآخرين، ويزهق روح الحوار، ويُغيّب حقوق الناس، ولأن القدرة على الحُكم تعتبر مسألة صعبة ومعقدة وتحتاج إلى النضج والتجربة والخبرة والوعي الكامل واليقين وتجنّب التعميم، فإننا بحاجة، قبل الحُكم إلى:
- عدم الاستعجال في استخدامه.
- الإبتعاد عن النرجسية أي حب الذات.
- القناعة بأن تغيير الرأي فيه قوة وليس ضعفا.
- إعادة بناء أحكامنا قبل إطلاقها.
- التعود على تدعيم الأحكام بالأدلّــة والبراهين.
- تغييب الأوهام.
- عدم الإستناد إلى ملاحظة عرضية والهوى الشخصي.
إن التريث في الأحكام، وعدم الاندفاع أو التسرع في إطلاقها، يُــدرّب النفس ويعوّدها على أن تكون مطمئنة لا أمّــارة بالسوء.
جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم: (القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل علم الحق فقضى به، وقاض علم الحق فلم يقض به وقاض قضى بجهل فهما في النار). رواه أبو داود.