محسن أردني مغترب, رفض الإفصاح عن اسمه, تبرع بثلاثة ملايين ومائتين وستين ألف دينار أردني ليتم توزيعها على اثنين وثلاثين ألف عائلة أردنية, وأصرّ أن تكون الهبة كالتالي: 50 دينار بدل طعام في مطلع شهر رمضان و50 دينار بدل كساء قبل عيد الفطر.
حتى الآن الخبر مفرّح جداً ولا غبار عليه, لكن الفاجعة هو أن المحسن الكريم سيتابع المنهجية التي ستوزع الأموال من خلالها ليتأكد من سلامة وصول الأموال إلى مستحقيها، وقد وعد بالاستمرار في حال اطمئنّ وقرت عيناه بطريقة التوزيع.
هل سننجح في كسب ثقة المحسن؟ يدي على قلبي والله, أتدرون لماذا؟ لأنني وببساطة أرى البؤس والمرارة التي يعيشها المواطن وهو يقف في طوابير عندما يريد أن يدفع فواتير أو ضرائب أو أي أموال تجنيها الدولة, ويصعد طابقاً وينزل درجاً ويطرق أبواباً ويختم أوراقاً, وسيجابه بأصناف التكشيرات, والعبوس المشهورة, والنكد الفطري, والإهمال, والإزدراء, والانتظار, وبعض الكلمات " الجقمة " والتي من أبسطها وأقلها امتهاناً للكرامة: بالدور يا بني آدم. كل هذا العناء وهو يريد أن يدفع المال, فما بالكم لو انعكست الآية وأراد صاحبنا المواطن أن يقبض هو مالاً ويستلم كوبون الهبة من أخيه المغترب؟ بحكم خبرتي المطلعة, فإن الذين يستلمون المعونات مثلاً يضطرون لتحمّل ما لا تطيقه النفس حتى يستلم ما هو مفترض أن يستلمه من هبات ومعونات, فما بالكم إن كانوا ألوفاً مؤلفة ( 32 ألف عائلة ) تريد أن تستلم هبة المحسن خلال فترة قصيرة؟ هل سننجح في هذا الاختبار ؟ الله يستر!
أيها المحسن الكريم, تقبـّل الله منك وجعل عملك هذا في ميزان حسناتك, لكن أرجو – سلمك الله – في المرة القادمة أن تسهـّـل علينا المهمة, وأن تؤسس هيئة مستقلة - تديرها أنت من بعيد إن شئت - تتولى هي البحث والتقصي عن المستحقين لتبرعاتك, بل وتتفنن في ابتداع مصارف جديدة ومفيدة تخدم المجتمع أكثر من صب الأموال في يد الفقير, كأن تقيم مشاريع إنتاجية لهم يترزقون من خلالها, أو تدعم مشاريع إنمائية أو خدماتية تنهض بالمجتمع و ترتقي به.
نصيحتي هذه لكم سيدي المحسن ليست بدعة, بل هي طريقة نبوية استنها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي وجهه للاحتطاب والاكتساب بدل أن يعتاد السؤال والاستجداء, وهي منهج تنتهجه حتى المؤسسات العالمية التابعة لحكومات؛ كوكالة الإنماء اليابانية والألمانية والأمريكية ,,, وكذلك تَتّبعها المؤسسات الدولية الخيرية من هيئات إغاثة تابعة لمنظمات إنسانية أو فردية, لأنهم هم مقتنعون تماماً – ويحق لهم هذا – أن المال سيفقد بعض بركته – على الأقل - إن تم توزيعه من خلال القنوات الرسمية!
ختاماً, أتمنى أن لا يتهمني أحد أنني أتهم أحداً, كل ما في الأمر أنني حريص أن يتم توزيع هبة المحسن الأردني المغترب بالقيمة الصحيحة للمستحقين الصحيحين, وبمنتهى الكرامة الصحيحة التي يستحقها أبناء الوطن الصحيح.
م. جمال أحمد راتب