لا يصلح العطار ما أفسد الدهر”، مثل ينطبق على حكومة الرئيس الرفاعي، المبتلاة بوزراء التأزيم من كل صنف ولون، ولم تنجح وصفة التعديل للتخلص من وزراء التأزيم، وتحسين صورة الحكومة أمام الرأي العام، فقد تورط بعض الوزراء الجدد في التأزيم، ولم يستفيدوا من تجربة أسلافهم، ولم يحسنوا الاستفادة من أخطاء من سبقهم، ويكاد ينطبق عليهم المثل القائل: \"جبناك يا عبد المعين لتعين، لقيناك يا عبد المعين تنعان\"!
إن صحت الراوية –وأظنها صحيحة- التي تتحدث عن مشادة كلامية بين وزير العمل سمير مراد ووفد مزارعي وادي الأردن بشأن اعتصامهم وقوله لهم: \"انتم كنتم غير حضاريين في الاعتصام الماضي، ولن أتهاون في المرة القادمة أنا سمير مراد وسأضرب بيد من حديد، كنت أقدر أفرقكم بطريقتي الخاصة لكن نزلت إليكم لحفظ كرامتكم\". فإننا أمام فصل جديد متطور من التأزيم، وخلق بؤر التوتر، وتوليد صراعات وأزمات لا مبرر لها، إلا صلف المسؤول وغروره، وظنه أنه الحاكم بأمره، وأنه المسبح بحمده، وأنه الأول والآخر، ولا أدري لم تذكرت قوله تعالى على لسان فرعون مخاطباً سحرته بعد أن آمنوا بموسى عليه السلام ورسالته: ( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) [الأعراف: 125]، وكأني بلسان حال معاليه يقول: (أَنَاْ رَبُّكُمُ الأَعْلَى)[النازعات:24] ، و(مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر:29]؟؟
عندما يظن مسؤول ما مهما علا أن نزوله للحوار يقلل من قيمته، ويمن على المواطنين أنه حفظ لكرامتهم، فإنه يؤكد أنه لم يستوعب مهمته بعد، فالمسؤول أي مسؤول هو خادم للشعب، واجبه الاستماع لهم، وحل مشاكلهم، وتلبية مطالبهم ضمن اختصاصه وصلاحياته، دون تجاوز على حقوق الآخرين، وما درى المسؤول أن نزوله لمواطنيه هو تشريف وتكريم له، لأنهم استضافوه بينهم وفي رحابهم، في الهواء الطلق، أمام كل العيون، بكل شفافية ووضوح.
وعندما يتورط معاليه بقوله: \"أنا ما بسمحلكم ترفعوا أصواتكم، انا بمثل جلالة الملك\". فإنه لا يدرك أن جلالة الملك ارتضاه وزيراً ليكون مثالاً للتواضع، ولين العريكة، وخفض الجناح للمواطنين، وأن يسارع إلى خدمتهم، وكان الأولى به إن كان يظن نفسه ممثلاً لجلالة الملك أن لا يترك المشاكل تتفاقم حتى يضطر المزارعون للاعتصام، بل كان المؤمل منه أن يعالج المشاكل أولاً بأول، وأن لا تصل إلى التعقيد والتأزيم، ومن أراد أن يكون ممثلاً لجلالة الملك فيجب أن يتمثل بعض أخلاقه وصفاته وسلوكياته في تفقد المواطنين، والمسح على جراحاتهم، وتلمس حاجاتهم، وتلبية مطالبهم، وخفض الجناح لهم، والمسارعة إلى نجدتهم.
ما حدث من وزير العمل، وما حدث من أسلافه الوزراء، يؤكد أن التأزيم داء عضال في الحكومة وليس مرضاً عابراً، وأن هذا الداء قد يصيب بقية الوزراء عاجلاً أم آجلاً، استجابة لدعوة مظلوم، أو بفعل سحر مطلسم، وفي هذه الحالة لا ينفع العلاج، وعلى الرئيس الرفاعي أن يتدارك الأمر قبل أن تستفحل الأمور، فعدم البحث عن الشعبية لا يعني استعداء المواطنين واستفزازهم وإهانتهم. وأنجع علاج في هذه الحالة هو استقالة هذه الحكومة التي تستحق وصف \"حكومة الأزمات\" بكل جدارة واستحقاق!!
mosa2x@yahoo.com