لله درّ قوارع الأيام ، وتُعْسًا لخطوبها الجسام ، فكم نرى ونسمع كلّ يوم مُشاجرة ، تخترق مسامعنا ، وتشهدها أبصارنا ، ونقف عندها مذهولين مندهشين حائرين ، وكم نشاهد كل يوم عنفا تقشعر له الأبدان ، وترتعد له الفرائص ، وأيمُ الحق ، إنها الهمجية الشعْواء ، والضلالة العمياء والجهالة الجهلاء ، وكأنّ الدهر قد خبّأ لنا من أُوار الفتن ، ومن لهيب المِحَن ،ومن المضاعنة و المؤاحنة ، ما يعجز عن وصفه اليراع ، وتحصره الرقاع ،وإنّ في العيان ما يغني عن البيان ، وإنّي وأيمُ الله ، لا أدري ولا المنجم يدري ، هل نعيب الدهر أم العيب فينا ؟
ولقد أحسن الشاعر حين قال :
نعيب الزمان والعيب فينا .................................... وما لزماننا عيب سوانا
أجل أيها السادة : إنّ الإحَن تجرّ المحن ، وإنّ المجون يفسد المجتمع كما يفسد الماءَ الأجُون ، فتُبّا لمن يعرف الحق وينحرف عنه ، وتعسا لمن يعي الحقيقة ولا يوصي بها ، فالحق أبلج والباطل لجلج ، ومن قصد الحقّ حُمدت إليه طريقُه وبُشّر بالنجاة ، ومن أخذ يمينا وشمالا ذُمّت إليه الطريق ، وليحذر التهلكة والمعاطب والمِحن والنوائِب ، وكان عند الخلق منبوذا مدحورا .
ألا ترى معي – يا يرعاك الله – مجتمعا يعجّ بالأحقاد التي تنذر بالويْل، ولؤما غزير السيْل ، ألا ترى معي – يا هداك الله – أشخاصًا يصولون ويجولون ، وكلّ منهم مُعجبٌ بخيلائِه ومدلّ بكبريائِه ، إلا أنّهم قومٌ بَرِأ الدهُر منهم كما تبرّأ من أفعالهم ، فهم أشباه رجال ولا رجال ، تعجبك أجسامهم وأجسادهم ، وإن تسمع لهم تعجبك ألسنتهم ، حلّافون مشّاءون بنميم ، تسمع من روائع العظات على ألسنتهم ومن نواصع الآيات ، ما يكاد يفتنك عن كنهه ، ويخدعك عن نفسه ، ويخيّل إليك أنه نسيجُ وحدِه وعبقريُّ زمانِه ولكنه – للأسف - مزمار شيطان يعزف على لحن الفتن والإحن ،وإثارة الأحقاد بين العباد ، نعم هكذا هم ،لقد جاشت صدورهم بالأحقاد ، وامتلأت أحشاؤهم بالسخائم ، وغلّت قلوبهم بالعداوة ، ووسعتهم مخازيهم بطابع العار والهوان ، (اللهم إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) ، يسعوْن في كل فتنة ، والفتنة نائمة لعن الله موقظها ، فليت شعري بماذا يحتج هؤلاء المشاغبون ، إذا سألناهم عن شيْن أعمالهم وسوء فعالهم ، وليت شعري هل هي غير حكة غضب ، من نفث الشيطان ، وسوْرة سخط من حمّى لؤم الإنسان ، حتى انقلبوا على الناس يقتلون ويضربون ، فوا حرّ قلباه – بل وا خجلتاه – من أعمال مشينة يندى لها الجبين ،شاهت الوجوه ، شاهت الوجوه ، شاهت وجوه المشاغبين ، الذين يعيثون في الأرض فسادا وشغبا وتخريبا .
ومن هنا بات من الضروريّ الوقوف عند هاتيك الظاهرة الدخيلة الخطيرة على مجتمعنا ، وتحليلها وتجليتها ضمن الرؤية المنتقاة لاستخلاص ما يمكن أن يخدم أمن المواطن والوطن .
وأيْمُ الحق ، لا يحق إلا الحق ، والحقّ أحق أن يتبع ، ولذا فإنّي أدعوا الجميع إلى تحكيم سلطة القانون ، لإنزال أقسى العقوبات بحق المجرمين ومثيري الشغب ، الخارجين على عصا دولة المؤسسات والقانون ، كما أدعو الحكومة إلى تفعيل دور المؤسسات بأنواعها لتقوم بأمانة المسئولية ، كما أدعوا إلى مؤتمر وطنيّ تشارك فيه الهيئات بكل أشكالها ، عّلنا نخرج بجملة توصيات يتم تفعيلها ، لقطع شأفة المارقين ، والخارجين على عصا الطاعة . حمى الله الأردن وعاش الملك .
الدكتور محمود سليم هياجنه