تناقلت الأخبار النية عن إحياء مشروع المنطقة الصناعية المشتركة بين الأردن وإسرائيل، وهي أحدى المحاولات المتكررة التي كان آخرها في شهر نوفمبر 2013 وسرعان ما نفته رئيسة هيئة المناطق التنموية آنذاك، ولأهمية الموضوع للمزاج الشعبي الأردني.
أجد لزاماً علي (كمختص في التخطيط الحضري) أن أوضح بعض القضايا الفنية المرتبطة بالمشروع الأصلي الذي يعود لشركة مشاريع بوابة الأردن، والذي إستكمل مراحل التصميم الأولي وتم عرض دراسة الأثر البيئي للمناقشة من قبل المهتمين، وقد سبق لي وأن تقدمت برسالة تفصيلة حول الدراسة مؤرخة بتاريخ 23 أكتوبر 2000 واشّتق منها الملخص التالي:
1. سادت أجواء من التفائل النسبي بعد توقيع معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل في العام 1994 تمثلت بالمحاولة في خلق مشاريع مشتركة بين الجانبين، كان أحدها مشروع المنطقة الحرة الخاصة موضوع البحث، بالإضافة الى مشروع الواحة التكنولوجية بمنطقة وادي عربة.
2. لقد قامت سلطة وادي الأردن منذ أن أسست في العام 1977بالعمل وفقاً لقانون تطوير وادي الأردن بالعمل على التنمية الاجتماعية والإقتصادية المتكاملة في منطقة الإختصاص والمحددة من الحدود الشمالية للمملكة إلى الطرف الشمالي للبحر الميت، ومن نهر الأردن غرباً إلى كافة أحواض اليرموك والزرقاء الواقعة تحت منسوب 300م من سطح البحر، بالإضافة إلى المنطقة الواقعة بين الطرف الشمالي للبحر الميت والحد الشمالي لتنظيم مدينة العقبة جنوباً، والمناطق الواقعة ضمن الحدود الغربية للمملكة ومنسوب 500م فوق سطح البحر شرقاً.
وبالرجوع إلى مهام السلطة التي حددتها المادة الثالثة من قانون تطوير وادي الأردن وتعديلاته رقم 19 لسنة 1988، فإننا نجد انها تتمحور حول مسح وتصنيف وتحديد وتطوير الأراضي الزراعية، وكذلك الإشراف على الموارد المائية وتعزيز شبكة الطرق الزراعية، بما يخدم الميزة التنافسية للمنطقة كإقليم زراعي وسياحي. وعليه فإنه ليس من الحكمة إقحام مشروع صناعي في منطقة خطط لها أن تكون إقليما تنمويا متجانساً يحمل الطابع الزراعي.
3. تم تحديد موقع المشروع على منسوب منخفض (300-320) تحت مستوى سطح البحر وفي منطقة حفرة الإنهدام وهي منطقة نشطة زلزالياً ومعرضة لنسب عالية من إحتمالية التحركات الجيولوجية في طبقات الأرض. وسيتسبب ذلك كلف إضافية في الإنشاء ووسائل السلامة العامة. كما أن طوبوغرافية الأرض المخصصة منحدرة بفارق يصل إلى 25م، مما يتطلب تسويتها بما يحمل ذلك من مخاطر إنشائية وبيئية.
4. إن موقع المشروع المنخفض سيتسبب بكلف عالية في النقل والموصلات للموارد البشرية أو المنتجات لجهة الهدف (الأسواق الإستهلاكية الداخلية أو المنافذ الحدودية للتصدير).
5. إن المنطقة غنية بالمخلفات الأثرية كونها شاهد على حقبات تاريخية متتالية، وقد تم العثور على آثار مهمة بالقرب من مدخل المشروع فيما يسمى (تل أبو النعاج) تعود للعصر البرونزي Early Bronze IV (EB IV) period (2300-2000 B.C) وتم تسييج الموقع، إلا أنه سيبقى ضمن حدود المنطقة الحرة الخاصة.
6. الموقع يبتعد كثيراً عن ميناء العقبة، وهو أقرب إلى ميناء حيفا الذي يبعد عنه 65 كيلومتراً مما يعطي الأولوية في إعتماد الميناء الإسرائيلي كمنفذ للتصدير على حساب ميناء العقبة. وهي سابقة ستفتح شهية المزيد من الصناعيين لإعتماد ميناء حيفا لقرب المسافة ولتجاوز دفع رسوم عبور قناة السويس. وفيما لو تم ذلك، سيفقد ميناء العقبة الأهمية التي يحظى بها حاليا، بما ينذر بتراجع إيرادات الميناء والخدمات والضرائب المرتبطة به.
7. مساحة المشروع على الضفة الأردنية تبلغ 780 دونم وعلى الضفة الغربية تبلغ 260 دونم، وهناك نية لتوسيع حدود المشروع في الأراضي الأردنية بمساحته سبعمائة دونم، حسب ما تشير اليه دراسة الأثر البيئي، بما يهدد الأراضي المخصصة للزراعة بالمنطقة.
8. يفترض المشروع تعويض التردي في المجال الزراعي بسبب النقص بالمياه بمنطقة صناعية، توفير وظائف للباحثين عن العمل. وهذه فرضية إحلال النشاط الزراعي بالنشاط الصناعي، وهو ما ينسف الفكر التخطيطي الذي قامت على أساسه سلطة وادي الأردن.
إن نظرة سريعة على الجانب الآخر من النهر، حيث مزارع المستوطنيين اليهود وفيرة المياه، بما يجعل من فكرة المنطقة المشتركة على جانبي النهر، غير صالحة للإستهلاك المنطقي، على أساس أن التعاون يفترض إحترام الشركاء لبعضهم البعض وتوزيع الموارد المائية المشتركة بقسط من العدالة. فكيف لنا أن نفتح الباب للإنسحاب التدريجي من الإنتاج الزراعي لنقص المياه على الجانب الشرقي من النهر، بينما يغرق الجانب الآخر بوفرة المياه بما يعزز النشاط الزراعي هناك.
9. المشروع لا يحتوي محطة للصرف الصحي Sewage Treatment Plant بما يفترض الربط على الشبكة العامة الحالية شرقي النهر، وهذا عبء جديد سيثقل البنية التحتية الممولة من دافع الضرائب الأردني.
10. إن الطبيعة المناخية للموقع ذات الإرتفاع بدرجات الحرارة يتسبب في حدوث تدفقات مائية مكثفة Flash Floods والتي تتطلب معالجات مكلفة في الموقع العام، كما أن الإرتفاع في درجات الحرارة سيتطلب تزويد المباني بالمكيفات عالية الإستهلاك للطاقة وذات الأثر السييء على المنظومة البيئية للمناطق الزراعية.
11. الصناعات المنوي إقامتها في المنطة الحرة الخاصة المشتركة لا تعتمد على المشروعات الزراعية، وإنما على نمط مشابهة للمناطق الصناعية المؤهلة التي إقيمت في مدينة الحسن الصناعية بإربد QIZ والتي لم تعود على الاقتصاد الإردني بالكثير من المنفعة.
12. المشروع المشترك يستثنى السلطة الفلسطينية في محاول لفرض الإستراتيجية الإسرائيلية في السيطرة على وادي الأردن ولخنقها تمهيداَ لفرض التمثيل الفلسطيني من خلال البوابة الرسمية الأردنية.
وحيث أن المشروع مشترك، ولا يمكن لجهة أن تنفرد بإقراره، فإننا نطلب من المسؤوليين الأردنيين توضيح فيما إذا كان المشروع الذي اقرته الحكومة الإسرائيلية قبل سنوات، وقامت وزارة التعاون الإقليمي الإسرائيلية بطرح عطاء لتنفيذ الجسر الجديد في منطقة بيت شيئان الى الجنوب من بحيرة طبريا، هو ذات المشروع الموصوف أعلاه، أم هو مشروع آخر لا علم لنا نحن المخططين الأردنيين به، ومن حقنا أن نعرف ونحن بإنتظار الرد.
وختاماً، فإن الجسور الحقيقية التي تخدم أبناء المنطقة، هي تلك التي تبنى على الثقة والإحترام المتبادل وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه بإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة، حينها فقط تصبح للجسور والمشاريع قيمة ، فلا حاجة لنا لجسور الأوهام ما دمنا قادرين على عبور جسور الأحلام.