د. عبدالناصر هياجنه
أستاذ القانون المساعد في الجامعة الأردنية
---------
قرر مجلس التعليم العالي الموقر \"إيقاف النشر في المجلات التي تصدر عن الجامعات الأردنية، وحصره بالمجلات الوطنية وعدم احتساب أي بحث يقبل للنشر بعد تاريخ 1/8/2010 في المجلات غير المعتمدة لغايات الترقية والنقل و التثبيت\".
وهو القرار الذي يعني فيما يعنيه، إلغاء الاعتراف بمجلة \"دراسات\" التي تصدر عن عمادة البحث العلمي في الجامعة الأردنية كمجلة علمية محكّمة اعتباراً من 1/8/2010. هذا القرار ياتي بعد أربعين عاماً من النجاح والتميز والاعتراف بمجلة \"دراسات\" وطنياً وعربياً وعالمياً، بل إن مجلة \"دراسات\" تختصر بتطورها حكاية أم الجامعات الأردنية وربما حكاية التعليم العالي والبحث العلمي في الأردن العزيز. وبهذا القرار الغريب تصبح مجلة \"دراسات\" في ذمة مجلس التعليم العالي! وتنتقل المجلة وأخواتها المجلات العملية المحكّمة الأخرى الصادر عن عمادات البحث العلمي في الجامعات الأردنية إلى رحمة مجلس التعليم العالي الموقر اعتباراًَ من صباح يوم الأحد 1/8/2010!
وأمام هذا القرار المفاجئ، لا يملك الإنسان إلا أن يتساءل مجموعةً من الأسئلة التي تحتاج إجاباتٍ واضحةٍ لا مواربة فيها. وأول هذه الأسئلة هي لماذا 1/8/2010 بالذات؟ وما الفرق بين مجلة دراسات في يوم الأحد 1/8/2010 ومجلة دراسات يوم السبت 31/7/2010 ؟
فهل كانت مجلة \"دراسات\" حتى مساء يوم السبت 31/7/2010 تضم نخبة من الباحثين والمقومين المشهود لهم بالكفاءة والمعرفة والاقتدار مما يجعلها واحدة من أهم المجلات العلمية المحكّمة في الأردن والعالم العربي، ثم وبقدر \"قادرٍ\" أصبحت المجلة في صباح يوم الأحد 1/8/2010 تضم نخبة من الباحثين والمقومين \"غير المؤهلين\" الذين لا يستقيم اعتبارهم هيئة تحريرٍ وتقويم مما يجعل من المجلة مجموعة من الأوراق المحبّرة التي لا تستحق وصف المجلة العلمية المحكّمة؟
ما الذي تغير؟ وهل انهارت المجلة بين عشيّة وضحاها؟ ولماذا لم يلحظ أحد سوى - مجلس التعليم العالي الموقر- هذا الانهيار؟ وما مصير أبحاثها والرتب العلمية التي نالها أعضاء الهيئة التدريسية في الأردن وخارجه عن أبحاث منشورٍ بعضها فيها؟ وهل يجب سحب الرتب الأكاديمية التي نالها كبار أساتذة الجامعات الأردنية والعربية وحتى العالمية عن أبحاثٍ منشورٍ بعضها في مجلة دراسات؟
وما مصير الأبحاث المنشورة فيها والمقبولة للنشر قبل 1/8/2010 وستنشر بعد هذا التاريخ؟ وما مصير الأبحاث التي وصلت إلى مراحل متقدمة في التقويم قبل وبعد 1/8/2010؟ وما هي المراكز القانونية والحقوق المكتسبة لأساتذة وباحثين نشروا أو قُبلت لهم للنشر في المجلة أبحاثاً؟ وآخرين أرسلوا للمجلة أبحاثاً هي في طور التقييم؟
ولماذا كان الاعتراف بها ولماذا تم سحب الاعتراف بها؟ ومن هي الجهة التي تملك تقييم المجلات العلمية وتقرير جدارتها بالاعتراف أو بعدم الإعتراف؟ وما هي الأسس الموضوعية والمعايير العلمية الناظمة لذلك؟ وهل يملك مجلس التعليم العالي الموقر صلاحية عدم الاعتراف بمجلة \"دراسات\" أو غيرها، وإلزام الجامعات باجتهاده وما هو السند القانوني لهذه الصلاحية – إن وجدت- ؟ ثم لماذا يتم تدمير أهم المجلات العلمية المحكّمة في الأردن وهدمها وتشوية صورة البحث العلمي فيها والباحثين الذين تعاملوا مع المجلة منذ صدورها قبل أربعين عاماً وحتى مساء يوم 31/7/2010؟ ولماذا – وهذا أضعف الإيمان- لم يتم تعيين فترة زمنية تسمح للباحثين والأساتذة بترتيب أوضاعهم بناء على توجهات واجتهادات مجلس التعليم العالي الموقر؟ ولماذا - اذا كان لا بد من هدم المجلة وإخراجها من نادي مجلات البحث العلمي- لم يتم وضع خطة لإصلاح وتطوير المجلة وغيرها من المجلات العلمية المحكّمة اذا كانت الحاجة لذلك قائمة؟ مع التأكيد على أن الإصلاح والتطوير مطلوب دائماً وفي كل الأنظمة والمجلات والمؤسسات و\"المجالس\" ضماناًَ للجودة واستمرار الحياة.
القرار – مع كل الإحترام والتقدير- غير مفهوم ولا مبرر ولا يقوم على سندٍ قانوني، بل ينطوي على مخالفات لجميع قوانين وأنظمة التعليم العالي والجامعات في الأردن كما أشار الزميل الدكتور نوفان العجارمة – أستاذ القانون الإداري في الجامعة الأردنية في مقالة المنشور على الرابط التالي : http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleNO=68301.
وهو يمسُ بشكلٍ صارخٍ بالحقوق المكتسبة والمراكز القانونية للباحثين وأعضاء الهيئة التدريسية، ويشكل مأساة وسابقة تهدد البحث العلمي وتمس استقرار المراكز القانونية للباحثين وأعضاء الهيئة التدريسة وهو يهدد بالقضاء على ما بقي من البحث العلمي والباحثين ويحول البحث والنشر العلميين لدينا إلى \"يانصيبٍ\" يربح الإنسان فيهما أو يخسر دونما أسس موضوعية ومعايير منطقية. وهو قرار يتعين الرجوع عنه فوراً\"احتراما للقانون و للمشروعية التي تعمل كافة مؤسسات الدولة في ظلها\"، والاعتذار من هيئات الباحثين والمقومين ومن الجامعة الأردنية راعية المجلة العلمية المحكّمة الأولى في الأردن والتي يجب أن تظل كذلك بهمة العلماء والباحثين الموضوعيين الذي يسعون بكل صدق للتطوير والتحديث ومراكمة الإنجازات.