من رحمِ حوّاء ، تولد حوّاءُ جديدة ، وفي حياةِ كل حوّاء ، هناك خمسةُ رجال !! وقبل أن يُطيح رفضكم بكلماتي لمجرّد قراءَة العنوان ، أقول أن هؤلاء الرّجال الخمسة يلعبون دوراً كبيراً في حياة كل ّ حوّاء ، فمنهم من يغرس ويزرع ويبني ، فيضيف للأمةِ أمّاً صالحة ًومعلمةً فاضلة ًومهندسةً مبدعة ، وعقلاً يفيد المجتمع ، ومنهم من يقلع ويهدم ويؤلم ، فيغرس في خاصرة الأمة خنجراً ويضيف عقلاً وقلباً مدمَّراً ومدمِّراً للمجتمع !!
وإليكم الرّجال الخمسة بالترتيب : الأب ، الأخ ، الزّوج ، الابن ، الغريب. ولكلّ واحدٍ منهم وجهـان ، أحدهما الباني والآخر المهدِّم أو الهدّام ، وليختر كلٌّ منّا الوجه الذي يريده لنفسه !!
فمنذ صرختها الأولى في الحياة تجد أباها ، فتتعلم بالغريزة أنه مسؤولٌ عنها وعن رعايتها ، وأنّ زمام أمورها في يده ، وكلما كبرت ستعرف أيًّ النوعين والدُها ، الباني أم المهدّم ! فالباني هو الذي يُعامِل ابنتَه كما يُعامل ابنَه ويرى في كليهما إنساناً وهديّةً من الله تعالى ، فيسعد بنعمائه ويبذلُ الغالي والنّفيس ليرى ابنته وقد نالت حظّها من التعليم والاهتمام والرّعاية ، ويمدّها بالثقة الغالية ويعلّمها المسؤوليةَ ويضعها على طريق الحياة القويم ، فتكون بالنتيجة عضواً فاعلاً في مجتمعها تعطي من وجدانها وتعرف أن نصف المسؤوليةِ تقع على عاتقها ، فهي الأم وهي المربّية وهي الزّوجة ، ولها في كلّ موقع ٍأثرٌ كبير . أما الأب المهدِّم ، فهو الذي يُعامل ابنته على أنها عارٌ سيلاحقه مدى الحياة على مبدأ ( همّ البنات للممات ) ويرى أنها - مهما فعلت ولأيّ المراتب وصلت - ستبقى ناقصةُ عقلٍ ودين ، ومرجعها إلى بيت زوجها أو إلى قبرها. ونجده يعاملها باحتقارٍ وكأنها خادمة أو أمة ولا يُراعي الله فيها وينسى قوله عليه السّلام : (مَن كانت له ثلاثُ بناتٍ فصبر عليهنّ وسقاهنّ وكساهنّ كُنّ له حجاباً من النّار) .
أما الرجل الثاني فهو الأخ ، فالأخ قد يكون كالأب لأخته ، يرعاها ويحنو عليها ، ويعلم أنها رفيقة طفولته ، وسند شبابه والغالية عند كبره ، فيدعمها ويحميها ليكون مشوار حياتها جميلاً ، ويعلم أنّ رسولنا الكريم أوصى بالقوارير خيراً فهن المؤنسات الغاليات . أمّا الأخ المهدِّم ، فهو يتسلّط ويتجبّر على أخته ويمنعها حتى من التنفس بحريّة ، بحجّة الغيرة وأنها عارٌ وعَورة ، وتزداد صعوبة حياتها في حال غياب الأب وانفراده بحقّ السيطرة عليها ، فيجعل حياتها في منتهى الصعوبة .
وعندما يأتي النّصيب بالرّجل الثالث ( الزوج ) إلى حياة حوّاء ، يكون أيضاً أحد صنفين : أحدهما هو النّوع الباني ، وهو الذي يعتبر زوجته صديقته ورفيقة دربه وليست مجرد زوجة ، فيحاول أن يساندها ويدعمها ويصقل شخصيتها ، ويسعى معها لتحقيق أحلامهما ، ويُعينها لما فيه خيرُ دينها ودنياها لتكون له مُعينا ً ، وقد يدعمها في إكمال دراستها وربما في توجّهها لبلوغ أعلى المناصب ، ويكون سنداً لها يفخر بإنجازاتها ويعتبرها إنجازاتٍ له ، وهو يعلم أنّ المرأةَ ذاتُ الشخصيةِ القويةِ باعتدال ، والواثقةُ من نفسها ، والتي تعرف معنى الحياة هي التي سترفد المجتمع بأبناء متفهّمين للحياة محبّين لها قادرين على الإنجاز وحبّ المسؤولية . أما الصّنف الثّاني فهو الزوج الهدّام ، وهو الذي يهدم الإنسانَ داخلَ زوجته ويعاملها بلا أدنى إحساسٍ بكينونتها الآدميّة وبلا اكتراثٍ بمشاعرها ، يعتبر أنها منجبةٌ لأبنائه ، خادمةٌ لبيته ، قاضيةٌ لحاجاته ورغباته ، لا رأي لها ولا اعتبار لوجودها ، والمبدأ الذي يسيّر حياته هو ( شاوروهنّ وخالفوهنّ ) - هذا إن شاورها أصلاً - ، فلا حياة لها إلا تحت سطوته ولا معنى لصوتها في ظلّ صوته الهادر ، لا يفهم الحياة الزوجية على أنها شركة بين شريكين ، بل يراها كعلاقة السـّيّد بأَمته ، ويتشدّق بحديثه عليه السّلام : ( لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لأحدٍ لأمرتُ المرأة َأن تسجد لزوجها ) .
أما الرّجل الرّابع فهو الابن ، والذي قد يُصنّف بارّا ً أو عاقّا ً . فالابن البارّ لا يُنكِر كم سَهِرَت أمّه عليه وهو صغير ، وكما تعلّق بها وليداً وطفلاً يحافظ على علاقته وتعلّقه بها فتيّا ً ثم شاباً ثم رجلاً ، يُعينها على الحياة ولا يُعين الحياة َعليها ، ويكون سندها حين تحتاجُ المعونة ، وعصاها التي تتّكئ عليها في هَرَمِها، فيحملها في كبرها كما حملته في صغره. أما الابنُ العاقّ ، فهو الذي سيتخلّى عن أمّه وينسى كلّ ما قدّمته له ويقابلُ إحسانَها بالإسـاءة لها غيرَ آبهٍ بسَخَطِ الله عليه ، فيكون عوناً للزّمان عليها ويكسر ظهرها بدل أن يكون عصاها ، فلا تـقـدرُ أن تشكوه لله ولا أن تسخط عليه حتى لا يستحقّ غضب الله ، ولكنها تكابدُ لتُخفي دموعَها المُتساقطةُ على وجنتيها حزناً وغمّا ً لعقوقهِ إيّاها.
أمّا الرّجل الخامسُ فهو كلّ غريبٍ تتعامل معه المرأة ، كالبائع ِوالعميل ِوزميل ِالعمل ِأو الدّراسةِ والسّائق ِوالعـامل والمديرِ وأزواج الأخواتِ والصديقاتِ والقريباتِ والجارِ والمسؤولين وغيرهم ممّن تلتقيهم في حـياتِها كلّ يوم. وبين كلّ هؤلاءِ عليها أن توجد طريقة ًخاصة ًلمعاملةِ كلّ ٍمنهم ، طريقة ًلا تُسيءُ لها في مجتمع ٍشرقيّ متزمّت نوعاً ما في أحكامه ، وبحيث لا تتضرّر هي نتيجة َالتّعامل ِمع هؤلاءِ الرّجال .
في النّهاية أقول ، أنّ كلّ رجل من هؤلاء يلعب دوراّ حيوياً في حياةِ حوّاء ، ولكن ليتذكّر كلّ رجل أنّه كما يُعـامـلُ ( مجموعة حوّاء ) التي تخصّه من أمّ وأخت وابنة وزوجة وغريبة سيكون هناك ردّ فعل لحواءَ ، فهي ستكون إمّا حنونةً رحيمةً عاقلةً رشيدةً طيّبةً مِعطاءَةً مُخلصةً ، وإمّا ستكون حاقدةً سلبيّةً قاسيةً متعنّتةًً طائشة. والرّجل له الخيار فيما يُنتِج من شخصيتها ، وعليه أن يَعلم أنّ اختيارَه سيؤثّر على أبنائه وعلى المجتمع ككلّ. وأحبّ أن أضيف تلميحاً للجميع أصوغه في أبياتٍ شِعريّة قصيرة :
\" رجـالـنا .. يريـدون أن نُـنـجـبَ الفُرســــانـا * * * * * * * يرفـضــونَ الــــذُّلَّ .. ويـَـأبـَوْنَ الــهـَــوانا \"
\" فكــــيــف تــُرضِـــعُ الــعِــــزّة َ أثــــــداءٌ * * * * * * * عــلّـــمـْـتــُمـــوهـــا أنْ تـــكــون مُــهـــانـَــة ؟؟ \"
nasamat_na@yahoo.com