مغلق حتى إشعار آخر عنوان كتاب جديد لوزير العدل الأسبق د حمزة حداد، وقد يبدو العنوان غريبا عن الكتب، معروفا في مجالات أخرى، لكنه خير ما يصف عقل الإنسان الذي رضي أن يعيش في حالة سبات عميق، فقرر عدم الإفادة من نعمة العقل التي ميزه الله بها عن المخلوقات الأخرى، لكنه عطّلها بمحض إرادته!
يبدو الدكتور حمزة متفائل، إذ ترك الباب مواربا، فرغم الألم يبقى الأمل، فالإغلاق مؤقت، وإمكانية فتح الباب ممكنة بإضافته عبارة: (حتى إشعار آخر)، والأمل أن لا يطول الزمان على حالة الإغلاق هذه، لاسيما مع ما وصل إليه العالم الإسلامي من حروب شرسة، وقتل الأخ لأخيه بما يخدم أعداءه فقط.
تحدث الكاتب عن مسائل كثيرة منها: وحدة القرآن ومصدره، والقرآن والوحي، والقراءات السبع لدى الطبري، وحرية العقيدة، والنساء ومريم والمسيح، ويوم مريم العالمي، وأحاديث قرآنية، ومكر الخير ومكر السوء، ومحمد من عظماء التاريخ، وملحمة هرمجدون، والإسلام بمعناه الواسع والإرهاب والدين... والهلال الشيعي في القمر السني.
نسب الدكتور حمزة بأمانة علمية عنوان المسألة الأخيرة من كتابه لرئيس مجلس النواب اللبناني حينما سئل عن الهلال الشيعي، فقال: لن يكون إلا ضمن القمر السني، وهي إجابة ذات دلالات عميقة من أهمها التلاحم والتمازج بين السنة والشيعة، فلا وجود لأحدهما دون الآخر؛ لأن هناك تطابقا بين الطائفتين في أساسيات الإسلام، فهما مجتمعتان على مثلث إيماني متوازن: الله ومحمد والقرآن، وما كان غير ذلك، فهي اجتهادات شخصية خرج فيها أصحابها إلى معتقدات أخرى، أما الاختلافات الثانوية، فهي فقهية اجتهادية موجودة بينهما مثلما هي موجودة بين فرق الشيعة أنفسهم، أو بين مذاهب السنة الأربعة، ولا يجوز تعظيم هذه الاختلافات وتوسيعها بحيث تكون سببا للنزاعات والحروب مثلما هو الحال في يومنا هذا.
يشير د. حداد إلى أن كثيرا من الخلافات بين المسلمين أنفسهم نتجت عن الخصومات السياسية بين الدولتين الأموية والعباسية من جهة والحزب الشيعي من جهة أخرى، فانبرى الكتّاب لمهاجمة الشيعة وتكفيرهم إرضاء للحاكم، وكسبا لعطائه، من جهة أخرى كان كثير من الكتّاب من غير العرب، ولم يجمعهم حب لهم مما عُرف فيما بعد باسم الشعوبية، فكتبوا كتابات دخل بعضها الشك وبالتالي على الحاذق أن يميز بين ما هو غث وسمين، وهذه مهمة منوطة بالمفكرين وعلماء الدين، فهؤلاء هم الذين تقع عليه مهمة التغيير الإيجابي وهذا لن يكون إلا بتوظيف العقل وانفتاحه.
الحديث عن الهلال الشيعي والقمر السني، والإسلام بمعناه الواسع، ومناقشة مسائل أخرى كثيرة في الكتاب وسيلة مثلى للتوقف عن تعطيل العقل، وفتح الباب للتفكير والنقاش في كثير من المسائل التي اختلف فيها الناس، أو تلك التي تحتاج إلى مزيد من التفكير والنقاش بدلا من حالة الجمود، فوصلت إلى استغلال الإسلام من قبل الآخر، فوضعوا الكمائن للمسلمين وصوّروا الإسلام دين شقاق ونزاع، منتجا للقاعدة وداعش وأمثلاهما وهو منهما بريء.
إننا بحاجة ماسة لبعث العقلانية الإسلامية، وفتح باب الاجتهاد، وتنقية الموروث الإسلامي من البدع، فكثرة الانكسارات والفتن التي تمزق العالم الإسلامي اليوم كافية لإعمال العقل، والتصدي لكل من يضع الكمائن للمسلمين بواسطة التأريخ للفرق ونشأتها، والصراع بينها أمثال التشيكي كراوس الذي عمل على بعث تاريخ الملل والنحل وإعادة إنتاج الفتن، ومنتغمري وات في كتابه “محمد في مكة” وغيرهما من النابشين في تاريخ المسلمين في حين هم منشغلون بقتل بعضهم بعضا!