قرأتُ فيما قرأت ، قصة طريفة غريبة ، تتحدث عن واقعنا مع حكوماتنا الموقّرة : جاء في أخبار الجاهلية ، أنّه كان في ساحل جدّة صنم ، يقال له ( سعد ) ، فأقبل رجل صاحب إبل بإبله لذلك الصنم ابتغاء بركته ، فلما أدنى منه إبله ، وأراق عليه دماء الإبل ، نفرت وذهبت في كل وجه ، فغضب صاحبها وتناول حجرًا فرمى به الصنم ، وقال : لا بارك الله فيك إلها ، أنفرت علىّ ابلي ثمّ خرج في طلبها ، حتى جمعها وانصرف وهو يقول :
أتينا لسعد ليجمع شملنا ............ فشتتنا سعد فلا نحن من سعد
فما أصدق هذه الحكاية علينا ، مع واقعنا المعيش ، فكلما جاءت حكومة استبشرنا خيرا ، فإذا ما خاضت غمار العمل ، وتربعت على أرائك الوزارة ، بدأت تضرب الشعب ، تضربه بسياط الجوع والمسغبة ، وبصولجان الضرائب والقوانين التي تثقل كاهله ، فإذا الشعب يأنّ ، ويتولولْ ، وإذا بالضرّ يضرب أطنابه في كل بيت ، حتى أصبحنا نسمع إنمحاء الطبقة الوسطى ، وانتشار الفقر المدقع ، وإنّي أتساءل كما يتساءل غيري من أبناء هذا الشعب الوفي ، أهي ضريبة الوفاء ، أم هي ضريبة الولاء ، أم هي ضريبة الانتماء ، أما آن لحكوماتنا أن ترعوي وتتقي الله في هذا الشعب الذي نذر نفسه ودمه وروحه لهذا الوطن ، وأيم الحق ، أقف محتارا ، أتلجلج بين كثير من التساؤلات ، ولا أجد إجابة .
ولعمري ، إنّني في مرية ممن يدعي إخلاصه لهذا البلد ، ثمّ يأتي ليقوض أركانه ، وهل أركان الوطن غير شعبه ؟ كيف يتشدقون بالإخلاص ، وهم لم يتقوا الله في شرط الوطن ؟ أم أنه كذلك لا يحق لي أنْ أتساءل ؟ أجل أيها السادة : هذه هي الحقيقة ، وإنّ في العيان ما يغني عن البيان .
لقد قرأت الخطاب الملكي السامي ، قرأته ثم قرأته ، وعندما أقول أنّي قرأته أزعم أني قرأته ، لأني أحمل الدكتوراة في تحليل الخطاب ، فما وجدت إلا ما يثلج الصدر ،ويبعث في النفس الرضا ، إذ لا تجد إلا ما يكون في مصلحة الوطن والمواطن ، وهذه حقيقة في متناول كل واحد من أبناء هذا الوطن ، إذ شمس الحقيقة لا تحجبها الغرابيل ، وماء البحر لا تمنعه الأكف ، أم أنّ المقولة الدارجة ( مُلْكُ ما للأسياد على العبيد حرام ) هي التي تحقق وجودها على ساحة المشهد المعيش . حمى الله الأردن وعاش الملك .
الدكتور محمود سليم هياجنه