أسوأ ما يمكن الاعتراف به الآن، أن كل التنظيمات الإسلامية المسلحة، وحركات الإصلاح الديني، والتحرر الوطني المزعومة، أفسدت الجهود العالمية لتحقيق السلام، وحماية الحقوق والحريات الإنسانية. وفي تصوري، أن هذه التنظيمات، قدمت صورة مغلوطة للتصور الإسلامي للإنسان، على أساس من حريته، واعتبارها رمز إنسانيته، وأساس تميزه، ومناط تكليفه ومسؤوليته. فما من إنسان على وجه المعمورة، إلا ويدرك المطالب الحقيقة لكل الشعوب الأرض، فهي تدافع بضراوة، عن الحرية ضد الطغيان، وتحاول إنقاذ العدالة، من الظلم والقسوة، وكل أشكال الاستبداد، الفكري، والسياسي. لكن هذه الحقوق المشروعة، تحولت بين يدي التنظيمات الإسلامية المسلحة، والجماعات المتطرفة، إلى أورام سرطانية، تروع الشعوب، وتهدد أمنها، وكيانها السياسي المستقل. هذا الكيان الذي تحقق بفعل إرادة الشعوب الحية، وقيادتها السياسية، المنفتحة على العالم الحر، والحضارات الإنسانية، وليس بفعل هذه التنظيمات المتقوقعة على نفسها، في ألمغر، والوديان، مع الوحوش والبهائم، ولا تكاد تعرف من أمور الدنيا شيئاً. ومن طرائف ما يجب ذكره، أن العالمين العربي والإسلامي، وعلى امتداد تاريخهما السياسي الطويل، لا يكادان يذكران بالفضل، لأي من هذه التنظيمات المسلحة، والحركات الدينية، أنها حققت لهما استقلالا،ً أو منحتهما قوة، يواجهان بها عدواً، بل كانت هذه التنظيمات، وما زالت، مصدر قلق وأضعاف لهيبة الدولة، وقوتها السياسية، والعسكرية، ابتداء من الشرارة الأولى، في العهد الثالث من الخلافة الإسلامية. فبسبب تنامي ظاهرة العنف المسلح، وأشكال التدمير والإرهاب، التي تسلكها هذه التنظيمات، يترك مئات الألوف من العرب والمسلمين أوطانهم، ويتحولون إلى لاجئين في العراء، وغرباء يعيشون على فتات ما تقدمه الجمعيات الإنسانية، والصليب الأحمر، وليس الهلال الأحمر، هربا من الموت المفاجئ، بفعل انتحاري مهزوم، أو سيارة مفخخة، يقودها رجل بغيض حاقد، لم يستأنس بعد. وباسم الحرية المزعومة، ومحاربة الطغيان، يسقط المئات من العرب والمسلمين، وتدمر المؤسسات الوطنية، والمصالح العامة، وهيأت خدمة الشعب، وتفقد السلطات السياسية، هيبتها الدولية، وتضيع الأموال، وينعدم الآمن، ويتهدد الاقتصاد والوطني، ومستقبل الأجيال، ويتأخر تقدم البلدان، مئات السنين. هذه المشاهد الدموية المرعبة، وأشكال الموت، تتكرر يومياً في العراق، وفلسطين، ولبنان، والسودان، والجزائر، وأفغانستان، والباكستان، وفي كثير من البلدان العربية والإسلامية. وكأن النظرية التي قدمها الغربيون، بقولهم: "المسلمون أصدقاء الموت، أعداء الحياة.. أينما يكون الإسلام، يكون الجحيم الأبدي" هذه النظرية لا تحتاج إلى إثبات، لأن الواقع ينطق بصحتها. ومما يدعو للدهشة والاستغراب، أن هذه التنظيمات، تعبر عن موقفها، بأنها تدافع عن الحرية، وتساهم في حماية الحقوق الإنسانية، ولكن مع القبول بفكرة الموت، والقتل، والترويع، والتعذيب، والتمثيل بجثث القتلى..! وتقوم المحطات الفضائية البائسة، الناطقة باسم هذه الحركات والتنظيمات، بتزوير الحقائق، بالعبارات المنمقة، سعياً إلى تغيير أنماط التفكير، عند الفقراء والمساكين، من أجل تجنيدهم في فرق الموت، ومساعد هذه التنظيمات،في حربها مع أعداء الله، وأعداء الحق، وأعداء الحرية، فقتلاهم في الجنة، وقتلى الأبرياء من المسالمين، في النار! وباسم هذه الحرية المزعومة، تخوض هذه التنظيمات، حروباً خاسرة، مع الأنظمة السياسية الحاكمة، وتسلب الناس حريتهم، وارداتهم، وأموالهم، وتدعي بأنها تقاتل من أجل الحقوق المشروعة..! لكن الشعوب الحية، في كل مراحل تاريخها السياسي، تعرف بالحقيقة معنى الظلم والاستبداد، وتعرف كيف تنقلب هذه التنظيمات فجأة، وتتحول إلى ديكتاتوريات بغيضة، تقيم سلطاتها على جماجم الأموات، والتلذذ بأشكال التعذيب، التي لا يقرها عرف ولا قانون، لكنها عندهم مشروعة..! وبالحقيقة، فإن كل أفرد هذه التنظيمات، من المارقة، أشرار تعودوا القتل حتى صار بدمهم، وهم بالتأكيد أعداء الحرية، وأعداء الحياة، وأعداء الحضارات. ولا مناص من اجتماع الأنظمة الديمقراطية الحرة، من أجل سحق كل أشكال هذه تنظيمات، المعادية للحرية والحضارات الإنسانية. ولا بد أن ينتصر الآمل، وهذا هو سر بقاء الأوطان، واستمرار الشعوب، وانهيار كل أشكال التنظيمات الفئرانية. إن مبادئ الحرية وحقوق الإنسان، تتعارض بصورة مطلقة، مع كل العقائد الاستبدادية للتنظيمات المسلحة، والحركات الدينية الأصولية، ذلك أن هذه التنظيمات، قائمة على روح منهجية واحدة، وعلى سحق الشعوب المسالمة، وزجها في حروب أهلية، لتنتصر إرادة هذه التنظيمات المخربة. وأننا في الشرق الأوسط، لن نبلغ أي شيء حسن، إن لم نبق يقظين، إزاء هذه التنظيمات المسلحة، وملاحقتها، وهي في طور وضع البيض، قبل أن تفقس وتتكاثر.