من منا لا يذكر المسابقات التي كانت تتحفنا فيها وسائل الاعلام من جرائد وصحف قبل بضعة عقود من الزمن حيث كانت الوسيلة الوحيدة للتسلية لنا على المقاهي او على مصطبة الدار قتلا للوقت او املا بالفوز بعشرة دنانير قيمة الجائزة .
بينما كان جزء من مثقفين الحارة متورطين بالكلمات المتقاطعة كان الاقل عمرا وصبرا يبحث عن الاخطاء السبعة بين الصورتين ، فثمة صورة اصلية وبجانبها صورة ملعوب فيها ومزروع بها سبعة اخطاء .
تبدء الرحلة في البحث عن الاخطاء لاقتناعنا المبدئي بوجودها ومتعة اكتشفاها لننطلق بحثا عنها كما يحدث الان مع نخبنا ومثقفينا اليوم .
في كل حدث يومي عربي او محلي تنطلق قوافل الباحثين عن الاخطاء السبعة في كل بيان او خطاب او مقال او اجتماع او خلع ضرس لوزير ، وتنهال التخمينات والتأكيدات على مفرزات التقصي بالصورة لنخرج بمئات من الاخطاء السبعة وابطال يبحثون عن الجائزة .
اصحبنا لا ننظر الى الاحداث ومركبات اليوم السياسي والاقتصادي كبنود عمل لها مبرراتها ومسبباتها ونتائجها المنظورة والغير مباشرة ، بل انطلقنا من باب النقد الخائب والصيد واللعب على انفسنا لكي نقوم بما قمنا به في الصبا ، فمجرد ان يفتح فم لكاتب او سياسي او وزير غافل عن الكاميرا المسلطة عليه فمه نجد ان الصبية بدأو بتحديد الاخطاء السبعة له وانطقوه ما لم يقل وترجموا له المفردات التي جاورت كلماته ولم تلامسها وحسب قاموسهم .
يعتمد سقراط على مبدء المعرفة والفضيلة في تحديد ماهية الاشياء ومكنوناتها وذلك قبل اربع وعشرين قرنا ونحن نعتمد الان على الشك والمؤامرة في تحديد المكنونات والمفرزات ، ويبدوا أن زوجات الموج الهادر من نخب البلد ومثقفيها يتمتعون بزوجات صالحات هنيئات حرموهم من الاستفادة من نظرية سقراط التي تقول فيما معناه ( تزوج اما ان تكون لك امرأة صالحة فتسعد او امرأة نكدة فتصبح حكيما مثلي( يتحدث عن نفسه )) .
نحن جميعا ندرك حجم الدمار والتجاوزات والعجز الذي نعيش في كنفه ولكن القليل جدا من النخب المفترضة تطرق للبحث في المسببات والتطورات وحجم المخاطر وطريقة ادارة الازمة وبصورة علمية منطقية وبعيدة عن التهويش والتخوين ونظرية المؤامرة ، مع عدم تبرئة اي من الشخوص السابقين او القائمين على خلق المشكلة ، حيث من المفترض الاتجاه للصعود من الهاوية اولا قبل أو مع البحث عن شخوص ومروجي الفشل الذي نستشعره .
ولا بد لنا ان نطلب من صاحبة اكبر صورة الان تحت المجهر ان ترحمنا من غموضها ولتعلن انها فعلا حكومة ادارة أزمة وليس حكومة تأزيم ويكون ذلك بوضع الأجندات والبرامج العلمية المعقولة للحل المنشود بعد بيان سقفه ، والاعتراف الصريح بالازمة الداخلية والخارجية وبشفافية عالية لبيان حجم المشكة التي ادت الى العجز المالي الكبير الذي اثقل الدولة والمواطن وكذلك بدور الاردن في عمليات السلام المفروضة الان والضغوطات المنبثقة حكما بفعل الازمات ، ومدى صلابة قدرتنا وموقفنا وتطابق الهدف مع اخلاقياتنا والالتزام بعروبتنا .
جرير خلف