هم الشريحة الأعرض في هذا الوطن، هم الذين وجدوا أنفسهم قد ألقي بهم على قارعة القطاع الخاص, بعد أن لفظهم القطاع العام حيث ألفوا أجدادهم وآباءهم وتبرمجت ثقافتهم على أن يصبحوا موظفين " قَد الدنيا", ولكن هيهات هيهات, فما كل ما يتمنى المرء يدركه,,!
كما فهمت فإن عددا من الاعتبارات التي حالت بينهم وبين جنة القطاع العام والوظيفة الحكومية, بعض الاعتبارات لها جذور أمنية, كأن يكون ناشطاً طلابياً في المرحلة الجامعية, يعيش في رحابها كالنورس, أو يخطو خطواته الأولى على طريق الانتماء القويم للوطن والأمة, ويمارس أفعالاً تؤهله أن يكون فاعلاً لا جعجاعاً, بنـّاءً ذا هدف, لا "طرطوراً" قاتماً يميل حيث مال القوم.
قد تكون الاعتبارات ذات علاقة بالكوتا الديموغرافية، وهذا أمر يخص الخالق عز وجل الذي شاء أن يتزوج أبو هذا المواطن المكلوم من أمه ويرزقان به, فسقط رأسه حيث سقط, فهذه مشيئة الخالق لا الخلق, ومن تأله بعد ذلك فحسابه عند الواحد القهار, وهو الغريم إلى يوم القيامة.
ما الفائدة من هذا الكلام بعد أن أصبحوا الآن خارج جنة القطاع العام, فقد هبطوا من حيث الوظيفة الحكومية المريحة, وفنجان القهوة الصباحي, والراتب الأساسي, والعلاوات, والبدلات, والسفرات, والتنقلات, والضمان, والتأمين الصحي, والترقيات التلقائية, والأقدمية, والامتيازات الوظيفية, وحصة معلومة في المقاعد الجامعية, وأمور أخرى من النعيم المقيم, كأن يضمن الموظف العتيد التعيين لولد ولده، وطبعاً هذا النعيم والخير لا ينقطع حتى بعد التقاعد أو الوفاة, فالموظف الحكومي يستحق كل هذا التقدير, حتى ولو أمضى خدمته وهو ينفخ في وجوه المراجعين, ولم يقدم لوطنه شيئاً سوى التّبرّم والتّعقيد وسوء الإنجاز وأطنان من التخلف.
إذاً فالهبوط من تلك الجنة إلى القطاع الخاص أمرٌ جبريٌّ لا خَيار فيه, لا بأس...فليكن, فالوطن يخدمه أيضاً القطاع الخاص, بل لا يخدمه أحدٌ مثلُ القطاع الخاص، لكن يجدر الإشارة والتنويه إلى أنّ القطاع الخاص ليس كله سواء, ففيه مناطق وغابات من الأثرياء, أناسٍ منتفخي الجيوب والكروش إلى حد يفوق التصور, وينمو في ذات الغابة بين تلك الأشجار شجيراتٌ تمثل أصحابَ المشاريع المتوسطة والصغيرة التي تقتات على فتات الصفقات, وأخيراً وفي الغابة نفسها ثمةَ أعشاب الأرض؛ قطاع العمال والموظفين, هؤلاء هم الذين يشكلون الشريحة الأعرض, والحائط المنخفض.
هل يدعي أحدٌ أنّ فئة العمال والموظفين في القطاع الخاص أقلُّ انتماءً من بقية القطاعات؟ هل ينعدم دورهم في بناء الوطن, الوطن القوي المكتفي المنيع؟ لماذا هم محرومون من الامتيازات التي تتعلق بالمستقبل إذاً؟ إن كانوا قد سامحوكم في فنجان القهوة والعلاوات والامتيازات الوظيفية, فلا يعني هذا أن تذهبَ حقوقُهم وتكون فقط في حصة مخصصة لقبول أبنائهم في الجامعات في زمانِ الاستثنائات والكوتات التعليمية!
أغلب العمال والموظفين الشرفاء في القطاع الخاص يعملون ثلث اليوم أو نصفه (8-12 ساعة) أو زد عليه إن استدعت الضرورة لذلك, وبالتالي يصعب مع هذا الدوام الطويل المرهق أن يمنحوا أبناءهم الاهتمام والرعاية والتركيز الذي يجده أبناءُ الموظفين في القطاع العام, ألا يمكن اعتبار هؤلاء الأبناء من فئات الأقل حظاً وبالتالي تنظر إليهم الدولة بعين الاعتبار والاهتمام فتمنحهم ما تمنحه للآخرين الذين لا يبذلون معشار ما يبذله آباء هؤلاء.
مع التذكير للمرة الألف أن المجال لو تم فتحه وأزيلت جميع الاعتبارات المشار اليها أعلاه لكان جميع الشعب الأردني موظفين, ودمتم سالمين.
م. جمال أحمد راتب