ما أن استلم سمير رئاسته منذ ما يقارب 8 أشهر، حتى بدأت أقلام الصحافة بجلده وطاقمه دون انتظار، وتوالت مقالات النقد والتشكيك بقدراته و قدرات فريقه حتى قبل أن يروا منهم شيئا، مستندين في هجومهم على شخصية الرئيس الفقيرة سياسياً والمكرسة لظاهرة التوريث، وعلى حجم التوقعات المنتظرة من هذه الحكومة قياساً بخبرات طاقمها الوزاري الضحلة والغير مؤهل سياسياً لقيادة الإصلاح المطلوب، وقد أثبتت الأيام صحة هذه التوقعات بعد أن قاد أعضائها البلاد من أزمة إلى أخرى، ولم يستطيعوا حل مشكله واحدة، بل على العكس خلق بعض وزرائها مشاكل لا داعي لها و كان بالإمكان تفاديها لو كانوا يمتلكون القليل من الخبرة السياسية والدبلوماسية التي يفتقر لها معظم أعضاء حكومتنا الرشيدة، وهذه سابقة لم يسبقنا لها أحد في عالم تشكيل الحكومات.
أثبتت هذه الحكومة أنها غير قادرة على إحداث التغييرات المنشودة الذي طالب بها جلالة الملك و أكد عليه في كثير من المناسبات و اللقاءات، وبالتوازي مع هذا الفشل الذريع استمرت مقالات النقد والشجب بالتساقط كحبات البرد، حتى غطت تقريباً كل فعاليات و قرارات الحكومة الخارجية قبل الداخلية، ولم تترك هذه الأقلام أي فرصة لأخطاء الحكومة دون أن تلتقطها وتمحصها وتهاجمها بشكل لم يسبق له مثيل ، فأصبحت هذه المقالات والتحليلات ككرة الثلج تكبر مع مرور الوقت ويزداد حجمها ويثقل وزنها.
ولم تكن الحكومة الذهبية السابقة بأحسن حال من الرفاعية، ولم تسلم من سهام الصحفيين ولو أنها كانت أقل قليلاً، وتشكلت آنذاك كرة ثلج كبيرة من المقالات والتحليلات ما لبثت أن ذابت مع زوال العاصفة الذهبية بكل ما سببته من دمار و خراب أضيف إلى سجل سابقاتها وكأن شيئًا لم يكن فلم نسمع عن قضايا رفعت ولا أحكام نفذت ولا رؤوس دحرجت، اللهم في قضيتين إحداهما انتقامية والأخرى لذر الرمال في العيون.
ولم يكن مصير كرات الثلج في الحكومات السابقة أحسن حالاً، والمضحك أن كل حكومة أصبحت تنتقد علناً أفعال من سبقتها، وتحملها مسؤولية أي سلبيات داخل الوزارة من فساد ومديونية وتعيينات زائدة، دون أن يتقدموا بأي شكوى أو استجواب بحق من تسبب بهذه التجاوزات المزعومة.
و هذا ما يثبت لنا بأننا ننفخ في قربة مثقوبة، وكل ما كتب ويكتب لم يجد طريقه لأحداث التغير المنشود في سياسات هذه الحكومات، ولم يتم الاستعانة بالمفيد منه في رسم الخطوط العريضة لأدائها، وفشلت مقالاتنا بسبب فوقية حكوماتنا وشعورها بالكمال في إيصال طموحات وأمال الشعب وترجمتها لبيانات وخطط عمل وزارية تنال على أساسها الحكومات الثقة، وليس كما هو حاصل في حالتنا حيث أن كل حكومة تعتبر نفسا المرجعية الأولى و الأخيرة لجميع القرارات و أنها الوصي الأمين على عقول المواطنين التي يجب أن تبقى نائمة ليستريحوا و يريحوا، وكل واحدة تلغي برامج وخطط سابقتها، وتأتي بأوراق عمل جديدة، اعتقاداً بأن من كان قبلها قد أساء التصرف، و لم يبلي جيداً وأنهم سيصلحون ما أفسدوه، و ينجزوا ما عجز عنه الآخرون، والحقيقة هي أنهم يزيدون الأمور سوءا وفوضى، وكل حسب طريقته وهذه نتيجة حتمية لحكومات تعتمد استراتيجيات قصيرة الأمد، ترتكز في تخطيطها على الاجتهاد الشخصي المتمثل بشخص الوزير، حتى لو كانت خبراته و دراسته في وادٍ واختصاص الوزارة في وادٍ آخر، وهذه مأساة أخرى لا أعتقد أنها موجودة إلا في حكوماتنا المخترعة، فالطبيب يمكن أن يكون وزير صناعة، والمهندس وزير صحة ومدير شركة وزير دولة و السكرتيرة وزير اتصالات وهذه أمثلة بسيطة واكبناها في أكثر من حكومة، وكلٌ يجرب حظه ويخوض مغامرته، وهو بسبب جهله متأكد بأنه على حق وبأنه قادر على الانجاز دون أن يخاف أو يحاول الاستشارة، لأنه يعلم بأنه لن تكون هناك أية عواقب لمغامرته إن فشلت وستنتهي مع رحيل حكومته، ألا إن وجد من يعود به إلى وزارة أخرى ليجرب حظه، عل مغامرته تنجح هذه المرة، فيال سخرية القدر،أن تدار وتبنى وزارات على مبدأ المغامرة، فيقامرون بمصير الشعب ومقدراته.
المقصود مما سبق هو أننا لسنا بحاجه إلى تغير وجوه وأشكال بقدر حاجتنا لوجود استراتيجيات طويلة الأمد، واضحة المعالم محددة بزمن، وخطط ترسم طريق كل وزارة توضع من قبل موظفين ذو خبرات و استشاريين كل حسب وزارته، وليس من قبل مستشارين يعينون لأجل التعيين، لا يفقهون شيئاً إلا حساب الرواتب و المكافآت، فلا تتأثر هذه الخطط بتغير الوجوه وتكون هي صاحبة الصوت الأعلى الذي يجب على الوزير سماعه والتقيد به، مع إضفاء بصمته دون تغيير الجوهر خدمة لمصالحه الشخصية ، و أن لا تكون الوزارات مسرحاً يختبر فيه كل وزير قدراته وخططه التي تنتهي برحيله.
إن رحلت هذه الحكومة الرفاعية التي رفعت كل شيء إلا سقف الحريات ورقاب المواطنين، وقد صرفنا الكثير الكثير من الوقت في نقدها وجلدها وكشف أخطائها وتحليل أفعالها، والاكتواء بنارها، ستذوب معها كرة الثلج التي صنعناها وسنكون قد اكتوينا بنتائج أخطائها، وعانينا من قراراتها غير الشعبية وغير المجدية، وسينتهي كل شي دون حسيب أو رقيب، وستأتي حكومة جديدة ونبدأ بصناعة كرة جديدة وتأخذ من وقتنا واهتماماتنا الجزء الكبير وسنعود لانتقاد الوزراء من جديد، وسيظهر وزراء أزمات جدد ووزراء يهينون الشعب من جديد وسنبدأ من نقطة الصفر.
لذا نطالب بأن تكون هناك ثوابت واستراتيجيات وقوانين تكون هي المرجع الأول والثاني والأخير لقرارات أي وزير، لا تخضع لشخصية الوزير ومصالحه الضيقة، تكون أسمى و أقوى من أن يتم استغلالها و تطويعها لمصلحة أي وزير، والوزير مجرد موظف يوظف خبراته وطاقاته لخدمة استراتيجيات وخطط الوزارة، يعتبر الوزارة مكان لاستنهاض هذه الخبرات وتطويعها و صب عصارة جهده ، وليست مجرد مزرعة شخصية يستغلها لتوظيف أقاربه وتغذية أرصدته.
لا اعتقد بأن هناك من يعارض هذه الأطروحات والمطالب، والتي تسير بها معظم الشركات الخاصة الناجحة والوزارات المحترمة في كل بلدان العالم المتحضرة والتي بها يجب أن نقارن أنفسنا ونقتدي وليس بمن هم اقل منا كما جرت العادة، حيث نظهر كمتطورين ومنجزين.
فيا أخي المسؤول كما أنت الآن كان هنالك أناس قبلك، وسيكون هناك أناس بعدك يجلسون على كرسيك، فلا تكن نكرة، واترك بصمتك في عملك ولتكن بصمة مشرفة لا بصمة عار تلتصق باسمك لأبد الآبدين.
و أقول لشعبنا
سيأتي يوما ترضخ فيه الحكومة لإرادة الشعب وتهتم لأمره، وربما يكون مجلس النواب القادم إن أحسنا اختياره بداية الأمل، ولحين حدوث ذلك، سنبقى نردد أبيات الحرية لأبي قاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر