في لوحته الرائعة التي وسمها بعنوان ( وحدة ) ختم الكاتب الرائع أحمد حسن الزعبي لوحته بتساؤل، إلى متى الغربة (متى ستخلع ثوب وحدتك وتلبس ثوب رجوعك الأبدي...) ، فأنا الغريب الذي دمعت عينه اليمنى على هذا السؤال ، وجفت اليسرى ألماً وحسرة ومجاراةً لواقع مر، في الوقت نفسه شعرت برغبة شديدة لإحالة السؤال إلى مساره الطبيعي.
فليس (الغريب) الذي يملك الإجابة على هذا التساؤل، فإنما هو ضحية أجبرته الأيام على فراق الوطن، ودعته الظروف أن يعلق آماله وأحلامه على شماعة الزمن.
ليس ( الغريب) من حكم على فيروز أن تغني للغرباء...
وليس ( الغريب) من سمح للجيران أن يتلصصوا على مائدته بنظرات ليس لها معنى أو جواب...
وليس هو نفسه من وجد ليله نهاراً ونهاره ليلاً ليجاري متطلبات الحياة ومشقاتها ...
ليس هو من حرم نفسه لذة مشاركة الأهل والعشيرة أفراحهم...
ولا هو من أُجبر على تعزية صديق بمكالمة أو رسالة قصيرة...
ليس ( الغريب) يا سيدي من اختار الغربة وسعى لها السعي الحثيث ، إنما وجد نفسه مجبراً عليها..
سؤالك يا سيدي مشروع ولكنك سألته لمن لا يملك الجواب..
من يملك الجواب موجود بين أهله وأولاده ..
من يملك الجواب يملأ بركة سباحته بماء زلال على حساب من لا يجدونها للشرب ...
من يملك الجواب يملك سيارة وبيتا ويتنزه في عجلون والعقبة ويمضي ليله في البحر الميت أو على أطلال مشاريع عملاقه..
من يملك الجواب لا يحمرّ خده يوم نتائج الثانوية، فأبناؤه في مدارس لا تخضع لنظامنا وأسئلتنا...
يا سيدي إن أردت أن تسأل هذا السؤال وتجد له إجابة فلا تسأله لي،ولا تسأله للـ ( غريب ) فنحن مثلك نخشى الغربة كخشية الظلام!!
سل هذا السؤال لمن كبتلوا بلدي، فأفقروا البلاد وأشقوا العباد..
سل هذا السؤال لمن ولد هو أو أبوه في بيت فقر أو تجول جده ذات يومٍ على حمار واليوم لا يركب إلا كاديلاك أو بورش ويحظى بأرصدةٍ من سبعة أرقام ...
هؤلاء يا سيدي من يملكون الجواب..
واعذرني أني وضعت كلمة الغريب بين قوسين وذلك لقناعتي أن أكثر الغرباء هم من يعيشون في بلدهم هذه الأيام، وشعورهم بالغربة يفوق شعوري بها مرات ومرات...