إذا تأمل المتأملون ، وتفكر المفكرون ، ونقّب المنقّبون ، وبحث الباحثون ، في حقيقة واقعنا الحاضرة ، وجدوا كلّ شخص فينا يمتلئ بؤسا ، فلقد – والله – رمتنا الأيام عن قوس الفوادح والرزء والخطوب ، وها نحن ما زلنا نرزح تحت وطأة ليت ولعلّ ، بل أنفقنا العمر بين متى وإلى أين ، يصابر منّا الأعزّ الأذل ،
أعلل النفس بالآمال أرقبها ................... ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
حتى تداعت أركان بنيتنا النفسية ، فظهر ما يعتلج نفوسنا وما يختلج دواخلنا على مرآة وجوهنا ، فطبعته بميسم البؤس ، وماذا لعمري أنشر وأبسط و أذكر ، و في وضح الضحى غنى عن تبيانه ، وكفاية من إظهاره وإعلانه ، ويكفيك من البؤساء رؤية حالهم ، ومن الأشقياء سماع آهاتهم ، ومن التعساء نبأ مقالهم ، إيه أيها الأحرار، أما آن الأوان ، لهذا الشعب المقهور والمأزوم أن يثب من كبوته ، ويهبّ من ضجعته ، بعد تطاول الزمن وترادف الأحقاب ، ويعمل على خدمة الحق ، ولو كره المنافقون .
أجل أيها السادة ، لقد انتشرت لوثة الفساد ، فطالت العباد والبلاد ، وتنكرت وجوه الحق ، فاختلط المرعى بالهمل ، والخائر بالزبد ، فأصبحت الساحة تعج بأنواع المهالك والمعاطب ، والمحن والنوائب ، والوبال والنكال ، وأصبحنا مثلا من الأمثال ، ظلم فادح وبغي فاضح ، ملأوها جورا ، فتدفقت بغيا وفجورا ، وظنوا أنهم بالغون الأرب ، ونسوا أن للعباد رَبّا ، فصالوا وجالوا ، حتى أكلوا الأخضر واليابس ، فأصبحت كهشيم المحتضر.
مهلا رويْدا ، إنّ للباطل جولة ، ثم تضمحل ، وإنّ للمفسدين دولة ثم تدول ، فلسنا ولعمر الحق ، نبالي بما يأفك الأفاكون ، فستنقشع الظلمة ، وستظهر الغياهب ، وتنكشف السجوف ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون . فتلك قصورهم ، وهذه قبورهم .
( فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )
أيها السادة الكرام ، إنّي استحلف الأحرار العقلاء , اللهَ وآياته ورسلَه ، أن يخبروني عن خيْر واحد قدمته الحكومة لهذا الشعب أو لهذا الوطن ، أعطوني ولو مقدار معشار أو مقدر فتيلة ، هل يوجد غير ارتفاع الأسعار ؟ وهل يوجد غير الضرائب المتلاحقة : ضريبة تتلوها ضريبة ، وهل يوجد غير ازدياد العاطلين عن العمل ؟ وهل يوجد غير ازدياد الفقر ؟ وهل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ثم تتحدث الحكومة بكل جرأة ، إنّ ما تقوم به هو خدمة للأجيال القادمة ، ولعمري إنّ العار كل العار ، بما تتشدق به الحكومة ، إذ هي تتهم أبناء هذا الوطن بالغباء ، بالله عليكم ، حدثوني وأقنعوني كيف يكون ما تقوم به الحكومة خدمة للأجيال القادمة ؟ إنه قول مفترى ، وبهتان صريح ، لقد زعمت الحكومة أنها هي المخلصة وحدها ، دون سائر أبنا هذا الوطن ، ولم تتق الله في شرف الوطن عند نفسها ولا خارج الوطن .
أيها الأحرار ، إن استمر الأمر على ما هو عليه الآن ، فسوف نحاسب على الرغيف الذي بين أيدينا ، بل اللقمة التي في فمنا ، حتى يلقى الرجل منا أخاه ، فيقول : (انج سعد فقد هلك سعيد )، نعم لقد تبين الرشد من الغي ، والهدى من الضلال ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، والله بما تعملون خبير. حمى الله الأردن وعاش الملك .
الدكتور محمود سليم هياجنه