تاريخيا عرف المجتمع الأردني نوعا من الاعتماد الذاتي المتبادل لصون الأمن الشخصي والمجتمعي في ظل غياب الدولة المركزية،هذه الحالة سادت عبر الزمن العثماني،وسمحت باقتناء السلاح وحمله، ومنحت القوى المجتمعية الحق في تدبر شؤونها الأمنية ،لكنها مرحلة وانتهت.
ودأبت الدولة الأردنية منذ نشأتها على الجهاد في سبيل تشكيل ثقافة الاحتكام للدولة والركون لترتيباتها في الشؤون كلها،وفي المقدمة منها الشؤون الأمنية،وبالرغم من تعقيدات الظروف الأقليمية والقلاقل الناجمة عنها تمكنت الدولة الأردنية من بناء حالة أمنية راسخة،مستندة إلى استقرار سياسي واجتماعي.وبالرغم من مصاعب التغيير الاجتماعي والثقافي، نجحت الدولة في فرض الضبط الاجتماعي المستند الى التشريعات والقوانين،كما نجحت في توظيف منظومة القيم والتقاليد الاجتماعية للتحكم في تنظيم وضبط سلوكات الأفراد والجماعات، بما شكل عونا للدولة وأجهزتها في الأغلب الأعم. لكن هذ لا ينفي وجود ثقافة التسامح مع بعض المظاهر الأمنية التي لا تنسجم مع سيادة القانون ومنطق الدولة.
لكن التحولات التي عرفها المجتمع الأردني كانت متنوعة وعميقة،وأنتجت تغييرا في سلوكات الأفراد والجماعات،وأثمرت نزوعا نحو العنف المجتمعي بصوره وأشكاله،وعرف الأردن تنامي ما يسمى بلغة الإعلام \"البؤر الأمنية الساخنة\"،أي مناطق تحاول أن تكون عصية على الأمن والقانون،وتنشط فيها تجارة المخدرات والأسلحة،ويتوفر فيها مأوى للخارجين على القانون والمطلوبين والملاحقين أمنيا.
نحن بعون الله ما زلنا بعيدين عن اعتبار هذه الحالات ظاهرة مستقرة،فهي مجرد بوادر يجب أن تقتل في مهدها،ولاشك أن شيئا من التهاون مع بعض المظاهر والسلوكات الخاطئة لاعتبارات لا يقرها منطق الدولة ولا يعترف بها، تثمر تضخما في ثقافة التفاخر والاعجاب بالخروج على القانون وتصنيفه في باب الهيبة الاجتماعية والرجولة واستعراض القوة !
بذلت مديرية الأمن العام بالتعاون مع قوات الدرك جهودا كبيرة لتنفيذ حملات أمنية شاملة تستهدف ملاحقة عصابات الشر في أوكارها ولاخراجها من جحورها المسماة \"البؤر الساخنة أمنيا\"، فقد نفذت سلسلة من الحملات والعمليات الأمنية خلال الفترة القليلقة الماضية بهدف الغاء فكرة وجود مناطق عصية على الأمن أو خارجة على سيادة القانون,وتفكيك منظومة إيواء الخارجين على القانون،وإلقاء القبض على المطلوبين والملاحقين أمنيا.
وقد صدم المجتمع الأردني عندما وجد نفسه في مواجهة عصابات لا تتورع عن استخدام السلاح في مقاومة رجال الأمن،ولايرف لها جفن عند اقدامها على القتل ورفع السلاح في وجه القوى الأمنية وانتهاك حرمة القانون والاعتداء على المواطنين. مما أجبر القوى الأمنية على اللجوء لخيار المواجهة المسلحة في بعض العمليات،وقدمت القوى الأمنية شهداء أبرار وجرحى أبطال من خيرة الضباط والأفراد عبر هذه المواجهات.
جاءت الجهود الأمنية الأخيرة وفق منهجية أمنية وقائية ،مستندة لإرادة سياسية عليا؛ فقد عبر جلالة الملك عن رفضه لكل مظاهر الاخلال بالأمن،ووجه الحكومة لضرورة التصدي لجميع مظاهرالعنف،ومنع حيازة الأسلحة واطلاق العيارات النارية.وهنا نتساءل عن أهمية توفر الإرادة المجتمعية الرافضة لهذه المظاهرالأمنية المقلقة؛فالمصلحة الوطنية تتطلب القضاء عليها في مهدها،وواجب المجتمع أن لا يوفر بيئة حاضنة للخارجين على القانون وفقا لأي اعتبارات كانت.
والاسناد المجتمعي للجهود الرسمية هام وحيوي؛ فدور المواطن والمشاركة المجتمعية في صون الأمن العام هما من أهم محاور فلسفة الشرطة المجتمعية،التي تتبناها مديرية الأمن العام.وعلى العموم الجهود المباركة التي تبذلها العيون الساهرة وفرسان الأمن العام وقوات الدرك تحتاج الى جانب الإسناد المجتمعي إلى بيئة تشريعية وإعلامية مساندة تدعم سلطة الدولة،وتسند رجال الأمن،وتتشدد في معاقبة الخارجين على القانون والمجتمع والدولة،في إطار مراعاة القوانين ومباديء حقوق الإنسان.
وبطبيعة الحال فإن المواجهة الرسمية مع هذه الحالات ليست مقتصرة على الجهود الأمنية البحتة،وبالرغم من أهمية الجانب الشرطي فيها إلا أن الأمر يستدعي تفعيل أدوات الأمن الناعم،في سياق رؤية متكاملة وبالاستناد إلى قاعدة بيانات توفر المعلومة الأمنية الدقيقة،وتساعد في تحديد الأسباب والدوافع،وتتيح معالجة منهجية،وتفضي إلى إعادة تشكيل البيئة العامة في المناطق الساخنة،وإحداث تحولات اقتصادية واجتماعية فيها؛لتحويلها من بيئة صديقة الى بيئة معادية لهذه للمظاهر المخلة بالأمن العام.
Bassam_btoush@yahoo.com