الحقيقية مثل النحلة تحمل في جوفها العسل وفي ذنبها الإبرة
ما أشبه اليوم بالأمس , هما مكونان رئيسيان لا تقوم الحياة إلا بكليهما- الرجل والمرأة – من أكرم خلق الله سبحانه وتعالى- ولكن... بغياب العقل وتحكيم العادات المتوارثة السلبية التي طمست كل ما هو حق بالفطرة سواء للرجل أم المرأة قد أوصلتنا إلى مجتمعات مفككة كل منا يحمل فكرا مشوها عن الآخر,كأنها حرب, وكما هو متعارف في دنيا الغاب فان البقاء للأقوى وليس للأصلح – والأقوى في مجتمعاتنا هو الرجل بحكم العادات والتقاليد والفكر المغلوط الذي توارثناه , معنى هذا أننا فعلا نعيش في دنيا الغاب وليس البشر والذي أساسه وجوب التكامل والتعاون , فهو الأقوى جسديا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا فهو المكلف بالعمل والإنفاق وتكوين الأسرة وتسيير أمور الدول , ولكن لو استطاع هذا الرجل تحقيق المعادلة الإلهية بإنصاف من يعول من النساء فكرا وتطبيقا على مبدأ الحقوق والواجبات المفروضة لكليهما بعيدة كل البعد عن مفهوم الذكورة المتبعة في كل زمان ومكان لكانت تلك المعادلة تختلف عما نعيشه من تخبط ومشاحنات بين طرفي المعادلة , ولما سمحنا للعديد من الدخلاء الغرباء المدعين للحضارة والرقي وهم من أوباش البشر الذين اقتحموا مجتمعاتنا وبيوتنا للتدخل تحت مسميات غربية ظاهرها إحقاق التوازن المطلوب والعدل وباطنها وهو ما خفي الإفساد للحيلولة من إمكانية إعادة الخلية الأساسية في مجتمعنا ألا وهي الأسرة إلى جادة الصواب.
فالاستقرار والتطور والحضارة لا تكون إلا بالتعاون المشترك الحافظ لحقوق الطرفين فلا أفضلية لأحد إلا بالتقوى أولا والكفاءة والمقدرة على تقديم كل ما هو نافع يفيد البشرية ثانيا فنحن بشرا خلقنا الله سبحانه بيديه وكرّمنا - وكلتا يديه يمين- فأين نحن من هذا التكريم الذي تمت أهانته بأيدينا وبفكرنا المشوه- ألم نستطع أن نعمل سويا كما تعمل اضعف المخلوقات \"النمل\" أكرمكم الله- فهو من أكثر المخلوقات حباً للتعاون والتضحية وتقديم المساعدة للآخرين, يضحي بكل ما لديه من أجل مساعدة الآخرين وصنع جسر مؤقت كطريق لعبور بقية النمل! يقول العلماء إن المال أو الشهرة أو السلطة ليست أسباباً للسعادة، بل السعادة الحقيقية في تقديم العون والمساعدة لمن يحتاجها, فهل أدرك النمل أسرار هذه السعادة واكتشفها وعمل بها، ونحن البشر غافلون عنها؟ يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
لن أقول أن ما من منهج أو قانون أنصف المرأة إلا الإسلام, لا معاهدات أو اتفاقيات أو غيره, فهذا شيء بديهي لا يحتاج للذكر ولكن ما نحن بحاجته وقفة تفكر, لِمَ لَمْ يتم العمل بمبادئ الإسلام في حياتنا اليومية ؟ لِمَ لَمْ تطبق الآليات التي تنصص عليها شريعتنا بالتعامل مع المرأة سواء بنت أو أخت, زوجة أو أم؟ فالخلل ليس بالنظام الإلهي ولكن بآلية التطبيق الدنيوي- لأنها تتبع الأهواء والعادات والتقاليد وليس الحق وما يجب أن يكون أو لا يكون- متى ستتحول أفكارنا واهتماماتنا من\"الأنا\" إلى \" الكل\" ؟ متى ستُعامل المرأة على أنها مخلوق مكرم من الله لها من الحقوق وعليها من الواجبات كشريكها الرجل ؟,متى ستتوقف النظرة الدونية التي يُنْظر إليها بعيون النقص بالرغم من كفاءتها؟ متى سيتغير الفكر المجتمعي على أن المرأة متاع معروض بالمزاد العلني؟ويا ليت من يدفع باهض الثمن لأجلها هو المستفيد ولكن من بخّس في قدرها وأذلها يكون له القدر والشرف ,قال الرسول الكريم\" إنما النساء شقائق الرجال، ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم \" صدق رسولنا العظيم, في كل المجالات الحياتية هناك التمييز والتفرقة بين الرجل والمرأة منذ ولادتها كطفلة أنثى يتم التعامل معها باختلاف كبير عن الطفل الذكر , حتى وان كبرت وأصبحت بنتا يكون التمييز بالتربية حتى من نفس الأم والتي هي بدورها امرأة, في فرص العلم والعمل والاقتصاد والسياسة وغيره, لا يتم النظر إلى الكفاءة والقدرة على التعامل ولكن تظل النظرة المجتمعية على إنهن ناقصات للعقل والدين , والدين براء من فكر كهذا.
أعجبني قول للدكتور \"عائض القرني \" بعنوان \"المرأة في المزاد العلني\" يقول فيه:
ظلمت المرأة عند الجهلة في مالها ثلاث مرات, مرة قبل زواجها يوم كان أبوها الجافي وأخوها القاطع يحاسبانها في آخر كل شهر على راتبها ويقتران عليها بالنفقة, وظلمت مرةً ثانية من زوج بخيل شحيح تسلط على مالها وحرمها حرية التصرف في ما تملكه فصارت تنفق عليه,وهو يقابلها بالفظاظة والغلظة وصنوف الإيذاء,وظلمت مرة ثالثة لما طلقت فمنعت من أبسط حقوقها المالية فخسرت المال والزوج والأطفال والبيت والحياة الأسرية,والمرأة مظلومة عند الكثير من القساة الجفاة الجهلة بالشريعة فإن تأخر زواجها لسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتها قالوا: عانس حائرة بائرة ولو أن فيها خيرا لتزوجت, وإن طُلقت قالوا: لو أن عندها بعد نظر وحسن تبعُّل وجميل خُلق لما فارقها زوجها,وإن رُزقت كثيراً من الأبناء والبنات قالوا: ملأت البيت بالعيال وأشغلت الزوج بالأطفال,وإن لم ترزق ذرية بأقدار إلهية قالوا: هذه امرأة عقيم لا يمسكها إلا لئيم والبقاء معها رأي سقيم,وإن تركت مواصلة التعليم وجلست في بيتها تشرف على أولادها قالوا: ناقصة المعرفة، ضحلة الثقافة، رفيقة جهل,وإن واصلت التعليم وازدادت من المعرفة قالوا: أهملت البيت، وضيعت الأسرة، وتجاهلت حقوق زوجها, وإن لم يكن عندها مال قالوا: حسيرة كسيرة فقيرة أشغلت زوجها بالطلبات وكثرة النفقات, وإن كان عندها مال وأرادت التجارة والبيع والشراء قالوا: تاجرة سافرة مرتحلة مسافرة لا يقر لها قرار ولا تمكث في الدار،عقت الأنوثة وتنكرت للأمومة,وإن طالبت بحقوقها عند زوجها وأهلها قالوا: لو أن عندها ذوقا وحسن تصرف لنجحت في حياتها الزوجية ولكنها حمقاء خرقاء,وإن سكتت فصبرت على الظلم ورضيت بالضيم قالوا: جبانة رعديدة، لا همة لديها، ولا حيلة في يديها,وإذا ذهبت إلى القاضي ورفعت أمرها للحاكم قالوا: هل يعقل أن امرأة شريفة عفيفة تنشر أسرارها عند القضاة وتشكو زوجها وذويها عند المحاكم؟أين العقل الحصيف؟ وأين العرض الشريف؟ وإنما يحصل هذا الظلم والإقصاء والتهميش للمرأة في المجتمعات الجاهلة الغبية فهي عندهم من سقط المتاع ومن أثاث البيت تُورث كما تورث الدابة ويُنظر إليها على أنها ناقصة الأهلية قليلة الحيلة ضعيفة التكوين تحتاج إلى تدبير وتقويم وتوجيه وتهذيب وتعزير, بل بعض المتخلفين الحمقى لا يذكرها باسمها في المجالس بل يعرض ويلمح ويقول مثلا: (الأهل)، (والحرمة)، (المرأة أكرمكم الله) و (راعية البيت) لئلا يفتضح بذكر اسمها وهذه غاية النذالة ونهاية الرذالة وهي مخلوق كريم وجنس عظيم فالنساء شقائق الرجال وأمهات الأبطال ومدارس المجد وصانعات التاريخ وشجرات العز وحدائق النبل والكرم ومعادن الفضل والشيم وهن أمهات الأنبياء ومرضعات العظماء وحاضنات الأولياء ومربيات الحكماء, فكل عظيم وراءه امرأة وكل مقدام خلفه أم حازمة,وكل ناجح معه زوجة مثابرة,فهنّ مهبط الطهر وميلاد الحنان والرحمة ومشرق البر والصلة ومنبع الإلهام والعبقرية وقصة الصبر والكفاح ,فلا جمال للحياة إلا بالمرأة, ولا راحة في الدنيا إلا بالأنثى الحنون, فآدم لم يسكن في الجنة حتى خلق الله له حواء,ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو أبو البنات العفيفات الشريفات, ذرف من أجلهن الدموع, ووقف لأجل عيونهن في الجموع, وسجل أعظم قصة من البر والإكرام والاحترام والتقدير, للمرأة أما وأختا وزوجة وبنتا فيا أيها المتنكرون لحقوق المرأة لقد ظلمتم القيم وعققتم الفضيلة,وجهلتم الشريعة ونقضتم عقد الوفاء, ونكثتم ميثاق الشرف ,فأنتم خاسرون لأنكم ناقصون,ناديتم على أنفسكم بالجهل والغباء,وحكمتم على عقولكم بالتخلف والحمق,فتبا لمن ظلم المرأة وسحقا لمن سلبها حقوقها.
بعد هذا القول البليغ المستوحى من أصول شرعنا في حق المرأة ومن يعاملها من الناقصين كأنها من سقط المتاع, والذين كان لهم الفضل في إرجاع أمتنا إلى عصر الجواري والعبيد بأسلوب حضاري مزيف والدعوة إلى تمرد النساء والخروج عن العُرْف والمألوف ,وترك المرأة تتخبط في مزاد علني فاضح ,فالحقيقة مثل النحلة تحمل في جوفها العسل وفي ذنبها الإبرة,فهل أنت أيها الرجل ممن يزيدون في ثمنها ويُكرمونها أم ممن يُبَخّسون فيها ويُهينوها؟ وهل أنت أيتها المرأة تعرفين قَدْر نفسك وصنيع الله بخلقك بأجمل الحلل أم ممن يُنكرون هذا الفضل الجليل وإباحة وإتاحة ذاتك لكل مريض هوى ناقص؟ فالرجل بفطرته وتكوينه المقدس مراحل عمر قلبه فطنة .. رجولة..وحسن التقدير.. والمرأة بفطرتها الرقيقة مراحل عمر قلبها حب .. حب.. حب.. فكر وحنان, فهي قيثارة جميلة الأوتار, فأين هذا الرجل الفنان الذي يراعي في المرأة كبرياؤها مهما تواضعت بين ذراعيه ويسمعنا أجمل الألحان.
Enass_natour@yahoo.com