زاد الاردن الاخباري -
محمد أنور المصري - تبدو مقلاً نوعاً ما في أعمالك في ظل ما تشهده الدراما السورية من كثافة في الأعمال، فما هي الأسباب؟
أعترف في البداية أن العروض المقدمة لي محدودة، ومن هذه العروض المحدودة أختار الأدوار التي تناسبني، فأنا لا أستطيع المشاركة في أي عمل لمجرد المشاركة، والمؤسف أن أدواراً كثيرة أراها مناسبة لي تقدَّم لغيري نتيجة العلاقات التي تحكم الوسط الفني.
اعتذرتَ عن المشاركة في مسلسل "ساعة الصفر" للمخرج يوسف رزق مع أنك من الفنانين المتواجدين دائماً في أعماله فهل من أسباب لذلك؟
رغم أن يوسف رزق صديقي إلا أنني اعتذرتُ عن المشاركة في "ساعة الصفر" نتيجة وجود ظرف معيّن في العمل لم يناسبني، وهذا يعني أن ما يربطني بالعمل مع يوسف رزق ليس الصداقة بالدرجة الأولى، وأنا لا أقبل أن أعمل في أي عمل لمجرد أنني صديق للمخرج.
على صعيد العمل على بناء الشخصية ما هي الشخصية التي تعتقد أنك بذلتَ فيها جهداً استثنائياً؟
في الحقيقة لم أؤدِّ أية شخصية دون بذل جهد كبير فيها، فأنا بطبيعتي لا أتعامل مع أية شخصية إلا من خلال أقصى طاقاتي لأنني أخاف من أية شخصية تُعرَض عليّ، وهذا ما يجعلني في كل عمل أفكر كثيراً بالشخصية وأتعامل معها وكأنني لم أمثل في حياتي، وهذا ما يجعلني أيضاً أحسب حساب الشخصية فأهابها وأحضِّر لها بشكل جيد لأقتحمها وأسيطر عليها، وإذا استعرضتِ أعمالي ستجدين أنني اشتغلتُ عليها بكل ما أوتيتُ من قوة.
نجحتَ كثيراً في تقديم الكركترات، فهل يعود ذلك إلى اجتهادك الخاص عليها أم أنها حققت النجاح لأن الجمهور بالأساس تغريه هذه النوعية من الشخصيات؟
كل الكركترات التي قدمتُها كانت في النص مكتوبة كشخصيات عادية وليس ككركترات سواء في فيلم "حادثة النصف متر" أو في المسلسلات كـ "أبو كامل" و"دائرة النار" وبالتالي فإن كل ما يظهر في الأعمال هو نتيجة اجتهادي الخاص على الشخصيات.. وبشكل عام أسعى لأصنع كركترات للشخصيات التي أؤديها إذا وجدتُ أن ذلك يساهم في إغنائها، أما إذا وجدتُ أن ذلك لا يقدم للشخصية أية إضافة فأستبعده فوراً، فشخصية مثل شخصية كاظم شرف الدين في "الخط الأحمر" مثلاً لا يمكن أن تقدَّم ضمن كركتر لأنها شخصية معقدة وتراجيدية ولا مجال للكركتر فيها، لذلك أؤكد على أن الكركتر دوماً يتبع الدراما والفعل في العمل وليس العكس، وبشكل عام أميل إلى الكركتر لكي أخفف وطأة الشخصية على المشاهد بحيث يقبلها ويرفض أفعالها.. ومع احترامي الشديد للمخرجين والكتّاب كان الحريّ بهم أن يكتبوا لي أدواراً خاصة لأنني أتقن لعب الكركترات وأقدمها دوماً بشكل مختلف، فأنا مثلاً ألعب أدوار الشر ولكن الشر برأيي كبصمة اليد لا يتكرر، ولو أنني كنت في مصر لتوفرت النصوص المكتوبة خصيصاً لي.
توقعت الأغلبية أن النجاح الذي حققته شخصية زاهي سيستثمره المخرجون والكتّاب لتطويرها في المستقبل، إلا أن ذلك لم يحدث، فلماذا؟
هذا صحيح لكنه لم يحدث ولا أدري لماذا، وكنت أتمنى أن يُكتَب لشخصية زاهي لتتطور لأن أية شخصية تتطور من خلال النصوص التي تُكتَب لها، وأعتقد أن هذه الشخصية كانت تستحق، مع العلم أنه كُتِب للشخصية في الإذاعة، والمؤسف أن سبب عدم استثمار هذه الشخصية هو أننا وللأسف الشديد لا نحب نجاحات الآخرين ولا نعترف بها.
ألا تعتقد أن الكتابة لشخصية معيّنة أو لفنان معيّن يبدو في وسطنا الفني أمراً غير مستحَبّ؟
أعتقد أن هذا خطأ كبير، فإذا كان أحد الفنانين ناجحاً فلماذا لا يُستثمَر هذا النجاح، خاصة وأن وجوده كفنان أو كشخصية معيّنة قد يساهم في تسويق العمل ورفع سويته.
إذاً لا مانع لديك لو ارتبط وجودك الفني بشخصية زاهي أفندي فقط.
أعتقد أن شخصية زاهي أفندي كانت وجبة شهية للمُشاهِد ولم يشبع منها، وأنا لستُ ضد أن يرتبط اسمي باسم شخصية معيّنة، ففي أوربا وأميركا يوجد عدد كبير من الفنانين ارتبطت أسماؤهم بشخصية واحدة طيلة حياتهم.
كيف تعامل الوسط الفني مع نجاحك الكبير في تأدية شخصية زاهي أفندي؟
بدايةً أودّ أن أشير إلى أنني من الفنانين الذين لا يتوانون عن الاتصال بزملائي وتهنئتهم على مشاركات ناجحة لهم لأنني أحب وأسعد بنجاح الآخرين، والمؤسف أن هذا لم يحصل معي على الإطلاق في أية شخصية ولم أتلقَّ أي اتصال من زميل لي هنّأني على نجاح شخصية زاهي مثلاً باستثناء المخرج علاء الدين كوكش، وكل الاتصالات الكثيرة التي تلقيتُها كانت من قِبل الجمهور العادي.
هل تعتقد أن هذه الاجتهادات التي قدمتَها على صعيد الشخصيات التي أديتَها سببها تقصير الكاتب في رسمها بطريقة دقيقة؟ أم ترى ذلك جزءاً من عمل الممثل؟
السبب ليس تقصير الكتّاب، ولكنني أرى أن الممثل يجب أن يقدم إضافاته على ما كتبه الكاتب ليضيف إلى شخصيته ألقاً جديداً، وأعتقد أن جزءاً أساسياً من شغل الممثل يجب أن يكون على بناء شخصيته شكلاً ومضموناً.
رغم تعدد الأعمال الدرامية السورية إلا أن عدداً من الفنانين يغيبون عنها.. كيف تفسر ذلك؟
المؤسف أن هناك بعض الفنانين لا يعملون على الإطلاق وقد كانوا في يوم من الأيام نجوماً، ولن أتردد هنا في ذكر اسم ياسين بقوش كمثال حيّ على ذلك وهو الذي أراه من أهم الممثلين الدراميين، فهو فنان كبير وجسّد أعقد الشخصيات على المسرح، ومن منّا ينسى دوره (المهرّج) في مسرحية "الملك لير" ومع هذا فإن معظم المخرجين لا يريدون أن ينظروا إليه إلا من خلال شخصية ياسينو، وهذا خطأ كبير وقعوا فيه فغيِّب عن الساحة الفنية وبات غريباً في بلده وهو المعروف على ساحة الوطن العربي.
غالباً ما يتم الحديث في الوسط الفني عن فوارق أخلاقية بين الجيل القديم والجيل الجديد، فهل لمستَ ذلك؟
يتميز الجيل القديم بالتزامه واحترامه للمواعيد وعشقه الكبير للمهنة، وصحيح أنه لم يكن مثقفاً إلا أنه كان موهوباً بالفطرة، أما الجيل الجديد فيتميز بثقافته الواسعة ودراسته الأكاديمية التي تنمي هذه الموهبة –إن وجِدت- لذلك لا يتعامل مع الشخصيات بعفوية وبالفطرة كما الجيل القديم بل يتعامل معها بشكل ممنهَج، ولكن مع هذا هناك قسم كبير من هذا الجيل غير موهوب على الإطلاق، والمؤسف أن هؤلاء بالتحديد يعملون وليس لديهم احترام للمهنة ولقواعد العمل والالتزام بالمواعيد.
وكيف دخل هؤلاء الوسط الفني؟
بعد أن فشلوا في كل شيء وجدوا أن الطريق الأسهل هو الدخول للمعهد المسرحي من خلال الواسطة والعلاقات.
هل فكرتَ في الكتابة في يوم من الأيام؟
أتمتع بنظرة ثاقبة في الحياة وبدقة الملاحظة، وقد يكون لديّ أفكار معيّنة إلا أنني لا أكتب لأنني مؤمن بالتخصص، إضافة إلى أنني لا أشعر بنفسي إلا ممثلاً.
ماذا قصدتَ بكلامك: "راقبوا أدواري تعرفون من أنا"؟ وهل أنت راضٍ عنها؟
قلتُ راقبوا أدواري تعرفون من أنا كفنان بخياراتي وإمكانياتي، مع أنني أرى أن كل أعمالي دون استثناء سواء في التلفزيون أم المسرح أو السينما هي دون طموحي الكبير رغم أنها تصنَّف بالجيدة ضمن ما هو متاح، ولكنها تبقى قناعتي الشخصية أنها ليست كذلك ولا ترضي آمالي.
عرّفنا أكثر على طموحاتك في مجال التمثيل.
طموحي أن أكون من مجموعة فنانين تقدم للناس أعمالاً مبهرة ومفيدة لا تموت بموت أصحابها، تبقى في الذاكرة ويرددها الناس.
وكيف تصف علاقتك مع المنتجين؟
عدد كبير من الشركات لا أعرف مكانها، ولستُ من الفنانين الذين يترددون عليها بهدف الحصول على فرصة عمل، لذلك أنا لا أذهب إليها إلا إذا طُلِبت.
هل عُرِض عليك عمل وفي اللحظة الأخيرة حلّ فنان آخر مكانك؟
رشّحتني مخرجة لأهم شخصية درامية ستُعرَض في رمضان القادم إلا أن شركة الإنتاج رفضت هذا الترشيح بسبب اعتذاري عن المشاركة في أحد أعمالها السابقة.
افتقاد شركات الإنتاج لتقاليد مهنية اتهام يُجمِع عليه الكثيرون، فهل توافق على ذلك؟
معظم شركات الإنتاج تعمل دون خطة إنتاجية أو إيديولوجية أو فكرية واضحة وتقدم أعمالها بشكل اعتباطي وارتجالي، لذلك فإن أي نجاح تحققه قد يكون وليد صدفة ما فتتأرجح هذه الأعمال في مستوياتها بشكل مخيف وكبير، وما يميز المنتجين المصريين عنا أنهم يعملون وفق خطة مدروسة وواضحة، إضافة إلى أن معظمهم إما من هواة التمثيل أو الشعر أو الرسم أو الموسيقا، في حين أن وسطنا الفني مليء بمنتجين أتوا إلى الإنتاج من مهن أخرى، لذلك يتحكم مزاجهم الشخصي بما سيختارونه من نصوص، وأعلم أن أحد المنتجين رغب في أن تقرأ زوجته أحد النصوص ليكون القرار لها بالموافقة رغم أنه ليست لها علاقة بالفن لا من قريب ولا من بعيد.
كثيرون من المنتجين يعبّرون عن انزعاجهم من التعامل معهم كتجار وأصحاب رؤوس أموال فقط انطلاقاً من تأكيدهم على أنهم يمتلكون مشروعهم الثقافي أيضاً، فما رأيك؟
بالتأكيد هناك من يمتلك مشروعاً ثقافياً منهم ويعملون وفق خطة عمل واضحة ولكنهم الاستثناء ونحن نتحدث هنا عن القاعدة، إضافة إلى أنني لا أرى في وصفهم بالتجار انتقاصاً من قدرهم لأن التجارة لا تعني استثمار الأموال والربح فقط وإنما تقديم ما هو مفيد، لذلك يجب أن نشجع المنتجين ونساعدهم لأنهم مكسب للحركة الفنية، ولولا رؤوس الأموال التي يمتلكونها لما كان هناك دراما سورية بالأصل.
تملك تاريخاً سينمائياً هاماً في القطاعين العام والخاص، فما سبب غيابك عن الأعمال التي يقدمها القطاع العام؟
بدأتُ أعتذر عن المشاركة في أعمال المؤسسة العامة للسينما منذ سنوات عديدة وذلك حين بدأتْ تقدم أفلاماً بعيدة عن الناس ومخصصة للمهرجانات وللنخبة فقط، لهذا أحجمتُ عن المشاركة وسأعتذر عن أية مشاركة في عمل أجده غريباً عن الناس وهمومهم.. وبالعموم أرى أننا نفتقد إلى مخرج سينمائي حقيقي، والدليل أفلامنا الباهتة التي لا لون لها ولا طعم، ومن يراها يعتقد أن مخرجيها هم أبناء اليوم من حيث الإخراج وحركة الكاميرا، والسبب هو قلة عدد الأفلام المنتَجة والتي لا يمكن أن تقدم الخبرة الكافية لهؤلاء المخرجين، لذلك تبدو أفلامنا خالية من أي عنصر دهشة أو تجديد كوضع طبيعي لمخرجين لا يتسنى لهم تقديم سوى فيلم أو فيلمين طيلة حياتهم، وبالتالي مهما كان هذا المخرج مبدعاً فلن يستطيع من خلال فيلم أو اثنين أن يعبّر عن كل إمكانياته وإبداعاته.. إذاً فمخرجونا مظلومون لأنهم يفتقدون فرص العمل التي تساهم في تطوير أعمالهم.
ما سبب مقاطعتك الطويلة (15 عاماً) لمهرجان دمشق السينمائي؟
في الوقت الذي كانت المؤسسة العامة للسينما توجه بطاقات الدعوة لعدد كبير من المتطفلين الذين لا علاقة لهم بالسينما لحضور المهرجان تجاهلت دعوتي إليه وأنا المشارك بفيلمين في إحدى دوراته.. وللأسف فإن هذه العادة ما زالت متوارثة حتى الآن، حيث لا يجد الفنان السوري مكاناً له في المهرجان.
أديتَ دوراً متميزاً في فيلم "1/2 م-غ نيكوتين" للمخرج محمد عبد العزيز وقد شارك هذا الفيلم في مهرجانات عالمية وحصد العديد من الجوائز.. حدّثنا عنه.
من سخريات الأمور أن هذا الفيلم الذي عدّ من الأعمال العالمية وحصد العديد من الجوائز في مهرجان باري في إيطاليا نفّذه المخرج محمد عبد العزيز بظروف سيئة وصعبة للغاية، مع قلة الإمكانيات المرصودة له، والغريب أن اللجنة الخاصة بمهرجان دمشق السينمائي لاختيار الأفلام المشاركة فيه رفضت مشاركته لا لأسباب رقابية بل لأنه كان برأيي أعلى مستوى من مستوى هذه اللجنة التي رأت أنه لا يصلح فنياً، وقد شارك هذا الفيلم في مهرجانات عديدة: دبي-بروكسل-هونغ كونغ ودوري فيه كان مختلفاً جداً عما قدمتُه وقد كنت فعلاً بحاجة إلى مخرج مثل محمد عبد العزيز ليراني بعين مختلفة عن الآخرين، وقد أخبرني أن بعض المحيطين به استغربوا أن يستعين بي لدور رجل دين متصوف ومتنور ورسّام قرر أن يذهب إلى أحد المقامات ليرسم نور الله من خلال التمعّن بالشمس على مدار أربعين يوماً فيصاب بالعمى فيزداد تصوفاً وحباً لله ويزداد توتراً، والجميل أن الكثيرين قالوا بعد مشاهدة الفيلم إن "1/2 م-غ نيكوتين" هو عبد الفتاح مزين مع احترامي لكل العاملين فيه.
بعد مسيرة مسرحية غنية انسحبتَ تدريجياً أيضاً من عالم المسرح، فما هي الأسباب؟
هذا صحيح، فبعد أن كنتُ أشارك في خمسة أعمال مسرحية ضمن الموسم الواحد بدأتُ تدريجياً بالانسحاب حين بدأ المسرح كما السينما يبتعد عن حياة الناس وهمومهم، وللأسف أن هذا حصل بعد عودة مخرجيه من الخارج وهم الذين عادوا ليقدموا للناس غوغول وما شابهه.
من هو عبد الفتاح مزيّن الإنسان؟
باختصار أقول أنا عكس الأدوار التي أؤديها: حالم، رومانسي، شفاف، رقيق