العيد مظهرٌ من مظاهر الدين، وشعيرةٌ من شعائره المعظمة التي تنطوي على حِكَمٍ عظيمة، ومعانٍ جليلة، وأسرارٍ بديعة لا تعرفها الأممُ في شتى أعيادها.
فالعيد في معناه الديني: شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب؛ ولكنها تعتلجُ في سرائره رضاً وطمأنينة، وتنبلج في علانيته فرحاً وابتهاجاً وتشع في نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.
والعيدُ في معناه الإنساني: يومٌ تلتقي فيه قوةُ الغنيِّ، وضعفُ الفقير على محبةٍ ورحمةٍ وعدالةٍ من وحي السماء، عنْوانُها الزكاةُ، والإحسانُ، والتَّوسعةُ. يتجلَّى العيدُ على الغني المترَف؛ فينسى تَعَلُّقَه بالمال، وينـزل من عليائهِ متواضعاً للحقِّ وللخلق، ويذكرُ أن كلَّ مَنْ حولَه إخوانُه وأعوانهُ؛ فيمحو إساءَة عامٍ بكامله بإحسان يومٍ.ويتجلى العيد على الفقير ؛ فيطرح همومَه، ويسمو من أفق كانت تصوّره له أحلامهُ، وينسى مساوئ العام ومتاعِبَه، وتمحو بشاشةُ العيد آثارَ الحقد والتضجر من نفسه، وتنهزمُ لديه دواعي اليأسِ على حين تنتصر بواعثُ الرجاء.
والعيد في معناه النفسي: حدٌّ فاصلٌ بين تقييدٍ تخضع له النفسُ، وتَسكُنُ إليه الجوارحُ، وبين انطلاقٍ تنفتح له لذة اللهو وتتنبِّه له الشهوات.
والعيد في معناه الزمني: مساحه من الزمن؛ خُصِّصَت لنسيانِ الهموم،وطرح التكُلَف، والكبرياء والخيلاء .
والعيد في معناه الاجتماعي: يومُ الأطفالِ يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراءِ يلقاهم باليسر والسعة، ويومُ الأرحامِ يجمعها على البر والصلة، ويومُ المسلمينَ يجمعهم على التسامح والتزاور، ويومُ الأصدقاءِ يجدِّد فيهم أواصرَ الحب، ودواعي القرب، ويومُ النفوس الكريمة تتناسى أضغانها؛ فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر وتتصافح بعد انقباض.
وفي هذا كلِّه تجديدٌ للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء، وفيه أروعُ ما يُضفي على القلوب من الأنس، وعلى النفوس من البهجة، وعلى الأجسام من الراحة، وفيه من المغزى الاجتماعي - أيضاً- تذكيرٌ لأبناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين؛ حتى تشملَ الفرحةُ بالعيد كلَّ بيتٍ، وتعمَّ النعمةُ كلَّ أسرة، وإلى هذا المعنى الاجتماعي يرمُزُ تشريعُ صدقةِ الفِطْر في عيد الفطر، ونحر الأضاحي في عيد الأضحى؛ فإن في تقديم ذلك قبل العيد، أو في أيامه إطلاقاً للأيدي الخيّرة في مجال الخير؛ فلا تشرق شمسُ العيدِ إلا والبسمةُ تعلو كلَّ شفةٍ، والبهجةُ تَغْمُرُ كلَّ قلبٍ. في العيد يستشّف الأشقياءُ ريحَ السعادةِ، ويتنفّسُ المختنقون في جوٍّ من السَعة، وفيه يذوق المُعدَمون طيباتِ الرزق، ويتَنَعَّم الواجدون بأطايبه.وفي العيد تهدأ النفوسُ الجامحةُ إلى الخير، وإلى الإحسان.وفي العيد أحكامٌ تَقْمَعُ الهوى، ومن ورائها حِكَمٌ تُغَذِّي العقل، ومن تحتها أسرارٌ تُصَفِّي النفس ، وفي طيِّها عِبَرٌ تُجلِّي الحقائق، وموازينُ تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة من البشر، ومقاصدُ سديدةٌ في حفظ الوَحدة، وإصلاح الشأن، ودروسٌ تطبيقيةٌ عالية في التضحية، والإيثار، والمحبة. في العيد تظهر فضيلةُ الإخلاص علانية للجميع، ويُهْدي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوبِ المٌخلصَةِ المُحبِّة، وكأنما العيدُ روحُ الأسرةِ الواحدة في الأمة كلها.وفي العيد تَتَّسِعُ روحُ الجوارِ وتمتد، حتى يرجعَ البلدُ العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدةٌ يتحقق فيها الإخاءُ بمعناه العملي. في العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتَبْرُز العواطفُ والميول على حقيقتها.
العيد في الإسلام: سكينةٌ ووقارٌ، وتعظيمٌ للواحد القهار، وبعدٌ عن أسباب التهلكة ودخول النار، والعيد مع ذلك كله ميدان استباقٍ إلى الخيرات، ومجال منافسةٍ في المَكْرُمَات. ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كلَّ واحدٍ من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالهُا الخطير في الروحانيات، ولها خَطَرُها الجليل في الاجتماعيات، ولها ريحُها التي تهب بالخير، والإحسان، والبر، والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية، التي لا تكون الأمةُ صالحةً للوجود نافعةً في الوجود إلا بها.