رافق المنخفض الجوي الأخير ، الكثير من اللغط والتضارب في النشرات الجوية ، والكثير من التعليقات الرافضة لكل تلك الجلبة ، التي احدثتها النشرات الجوية المتضاربة والصادرة من اكثر من جهة ، سواء كانت تلك التعليقات ساخرة او غاضبة ، ووضعت تلك النشرات الحكومة في حيرة من امرها فيما يخص تعطيل العمل والدراسة من عدمه ، وكذلك الاحتياطات الطارئة التي اتخذتها امانة عمان والمحافظات والدفاع المدني واجهزة الأمن العام ، وكل ذلك له كلفة مادية بالتأكيد ، وقد ذهبت ادراج الرياح .
بعد انتهاء المنخفض ومروره مرّ الكرام ضيفا خفيف الظل ، كاد رئيس الحكومة أن يفقد السيطرة على اعصابه والتحكم بها وهو أمر لا يلام عليه ، ووجه كلمات شديدة اللهجة وصفت بالقاسية ، لمن يعملون في مجال الرصد الجوي ، مما حذى بالحكومة اصدار قانون ينظم عمل الرصد الجوي , وكانت المفاجأة التي تفجرت في دائرة الأرصاد الجوية ، خلال زيارة دولة رئيس الحكومة لها بعد المنخفض مباشرة ، وبعد أن اطمأن دولته أن المنخفض التي تحدثت عنه النشرات الجوية ، ما كان إلا منخفض عادي لا يرقى لمستوى التعطيل واعلان حالة الطوارئ ، وكذلك لم يكن بمستوى تعطل الحياة العامة ، كما اشارت لذلك بعض النشرات الجوية ، المفاجأة التي فجرها دولة الرئيس في دائرة الأرصاد الجوية هي زيادة النفقات الرأسمالية لدائرة الأرصاد من 185 الف دينار الى مليون و700 الف دينار ، مما ابهج واسعد مدير الدائرة وموظفوها ، فعاهدوا الله وثم دولة الرئيس ، أن تكون نشراتهم الجوية اللاحقة اكثر دقة ومصداقية ، ولسان حالهم يذكرني بذلك القروي في منطقة نائية ، يذهب كل شهر مرة الى المدينة ، وذات يوم طلب منه رجل أن يشتري لإبنه " زميره " ودون أن يعطيه الثمن ، وذهب القروي الى المدينة مرات عدة ولم يشتري " الزميره " وذات يوم اعطاه مبلغا من المال وقال له اشتري لي " زميره " فقال له القروي " هلاّ زمّر ابنك "
لا أدري ماذا كان دولة الرئيس ونحن المواطنون نتوقع من دائرة بالتأكيد تفتقر لأجهزة الرصد الحديثة ، وتفتقر كذلك الى كفاءة الراصدين الجويين نتيجة غياب الدورات التي تلاحق التطور وكل ما هو حديث في عالم الرصد الجوي ، والخطأ في التقدير الذي رافق هذا المنخفض ليس جديدا علينا ، فقد عانينا كثيرا في السنوات العديدة الماضية من عدم مصداقية النشرات الجوية ، واذا كنا نريد أن نكون صادقين ومنصفين في تقييم الأمر ، فلا يجب في حال من الاحوال القاء اللوم فقط ، على دائرة الأرصاد الجوية وكوادرها ، وذلك في ظل ميزانية كانت قيمتها 185 الف دينار ، مع الاقرار بأن الزيادة التي تمت للدائرة في نفقاتها الرأسمالية ربما تكون غير مقنعة تماما واهل مكة أدرى بشعابها ، وربما تكون دائرة الأرصاد مقتنعة ومكتفية وسعيدة بالزيادة .
حقيقة الأمر انه لا يجب أن نستغرب ونستهجن النشرات الجوية ، خاصة عندما نعلم ونعترف بانه لدينا مراكز بحث وليس لدينا ابحاث ، ولدينا مؤسسات تعليمية وليس لدينا تعليم ، ولدينا أراضٍ زراعية وليس لدينا زراعة ومزارعين ( لا تغرنكم الدونمات المزروعة في الأغوار ) ، ولدينا هيئة مستقلة للانتخابات وليس لدينا نزاهة وشفافية ، ولدينا هيئة الغذاء والدواء وليس لدينا غذاء صحي ودواء رخيص ، وبالتأكيد فانه سيكون لدينا دائرة أرصاد جوية ليس فيها اجهزة رصد وراصدين ، وإن دل ذلك على شئ ، فانه يدل على وجود فشل ذريع تتسم فيها جُل مؤسساتنا ، ويتحمل مسؤولية الفشل مناصفة ، الحكومة والكوادر العاملة في المؤسسات ، وتكمن مسؤولية الحكومات المتعاقبة ، وليس هذه الحكومة بالذات ، في توفير المال اللازم لقيام تلك المؤسسات بعملها على اكمل وجه ، ومتابعة ادائها ومحاسبتها في حال تقصيرها ، وأما مسؤولية الكوادر العاملة فتكمن في قبول تقصير الحكومة تجاهها والركون الى ذلك ، وانعدام المبادرة والابداع في عملها ، وعدم المطالبة بتوفير النفقات للمؤسسات التي يمثلونها ، واعتبار اي وظيفة حكومية ، مجرد واجب يبدأ في الصباح مع فنجان قهوة وقدح شاي وسيجارة وجريدة ، وينتهي بعد الظهيرة ، وراتبا نتقاضاه آخر الشهر ، وكل منخفض وانتم بخير ..