في المجتمعات تبرز المشاكل المرحلية الأفرازية والمتزايدة بعد تعاظم فشل التعاطي مع القضايا الاستراتيجة والرئيسية للمجمتع ، وكذلك تتوسع حين تخلو الساحة من رموز تقوم بتبني وتصّدر للقضايا المركزية أو الفكرية العامة للمجتمع وحين تخلوا كذلك من تفعيل فك جيناتها والعمل على حلها ، وتتصاعد هذه المشاكل وتتنوع حين تفشل النخب الفكرية والمثقفة في تحقيق تقدم نسبي في تقديم طريقة للتعاطي مع هذه القضايا لتخفق بالتالي النخب السياسية والقادة التنفيذين في تحقيق نتائج مادية اقتصادية وأمنية واجتماعية لهذا المجتمع .
وبناء على ما سبق فأن هذه الاجواء السوداوية التي تسود مجتمعنا الان بفعل التشتيت وتعدد الأزمات وتكرارها والمكللة باليأس بسبب عدم اكتشاف فلسفة وروح القضايا المركزية ومفايتحها وطريقة مقارعتها .... أدت بالتالي الى ضياع الهدف المنشود وطريقة الخلاص للكثير من القضايا ، حيث يتركز الطموح الشعبي الان بشكل متطلبات أنانية جزئية وفردية تتجمع لأجل هدف متقدم من صراع البقاء ، ليصبح التفكير في الهم العام هو كماليات الطبقات المسحوقة من العامة في هذه المرحلة ، وتصبح الغالبية الكبرى من الجماهير هي نخب مستلسمة وغير عابئة لأية طروحات قد تأتي بها النخب المتنطحة لهذه القضايا .
اذا كان هناك تحييد قصري لفئة كبيرة من الشعب وتغييب ذاتي عن القضايا المركزية والمصيرية للمجتمع وذلك بفعل التأزيم المادي والتضييق الاتوماتيكي لدوره الفكري المباشر ويعود ذلك ايضا الى الضغوطات المتراكمة عليه وتفشيله في تجاوز دائرة الكفاية الدنيا المطلوبة للبقاء ، هذا التحييد او الالغاء الحتمي لدور جزء كبير من المجتمع يؤدي بالتالي الى ضرورة تبني نخب او طاقات معينة من المجموعات المثقفة في المجتمع للقيام بدور مفكريه وحاملي عبأ قضاياه .
هذا الفشل الواضح أدى الى تفرع قضايا فرعية مستحدثة وغريبة عن النسق الاجتماعي السائد ولدراسة روح القضايا المصيرية والقضايا المتفرعة عنها والتي يجب ان تتولاها هذه النخب المفترضة لبيان مهمتها وطبيعة مسارها كان من المفترض ان يتم البدأ بدراسة اسباب التشتت والضياع بشكل عام والتي ادت الى تراكمات من هزائم متتالية للمشروع العربي وعجز أيدولوجي وفشل علمي وجل هذا الفشل حدث بشكل متصاعد بتفعيل وتسريع من اطراف متناقضة مع مصالحنا ، حيث ان من المفترض ادراكنا السابق بوجود مؤامرة متشكلة بوتيره نسبية وحسب مفهومنا لتواتر الحضارات وصراعها وتناقضها .
كل هذا التعقيد وبوجود فوضى فكرية وضياع مبادئي وأولويات مقزمة ، أدى ذلك الى ايجاد نخب نادرة ومفكرين قلة عاملين على تشريح الحالة وبيان كمائن المرحلة وايجاد منشطات ومساعدات للبدء في تشكيل قراءة علمية وعملية للقضايا وأولوياتها ، ولكنها تعمل وفق برنامج اللابرنامج اي تعمل بقطاعات متفرقة ولا تنال الفرصة المناسبة لاطلاق روح المبادرة والتغيير .
كما ان هذه المرحلة أفرزت نخبا ومثقفين باحثين عن قضايا فرعية متناسين القضايا المركزية أو غير مدركين لها وعاجزين علن الخوض بها ، حيث عملوا على انهاء حالة الصراع الداخلي مع أنفسهم بابراء الذمة بمناكفة السلطات الاربع في الأردن ( التشريعية ،التنفيذية ، القضائية والاعلامية ) و دونما مصلحة بالفعل وعدمه .
وكذلك أدت هذه البيئة الضبابية الى اغراء نخب كرتونية وشخوص مسلحين باسمائهم فقط لكي تطرح نفسها كمخّلصين ، حيث تمثلت هذه النخب المفترضة في مجموعات كانت قد استهلكت كل مبادئها ومحفوظاتها وشعاراتها المركبة سابقا وفشلت ، وقامت بعدها بالتمترس الجماعي بمسميات عدة تطلب التغيير واستلام المبادرة ودون الاتجاه لتشريح وبيان القضايا بل اتجهت لتخطف الشعارات والتحركات الشعبية العشوائية والباسها وصف الجماهير الثائرة او الجماهير المساندة ودون المساهمة في تحديد القضايا الاولية ودراستها وفلسفة ادارتها واخراج الزخم الشعبي لتبنيها .
بالتالي اصبحنا نجد ان هناك خطرا أكبر على الوعي العام والمجتمع من الابتعاد عن القضايا المركزية والفرعية الناتجة عنها ، حيث يتلخص هذا الخطر في تضييع مقدرات جزء كبير من المجتمع وتمييع القضايا الرئيسية من خلال بروز طليعة من المتحاذقين واصحاب المصالح والمتطلعين الى تبني دور قيادي ما بفعل الادمان حيث شرعوا في العمل على تصميم واختراع قضايا او جدليات او هوايات لتبنيها ، وخلال هذا المشروع قد يقوموا بالبحث عن ضحايا لهذه الأشكالية وقد يكون هناك من يبحث بين جموع المتسلقين عن ( ليخ فليسا ) لهم وعن ( تشي غيفارا ) وهناك من يصادر رموز الوطن ليضعوها في ادبياتهم ، ويخشى ان تصبح قضية الوطن معهم بانه قد يكون ضحيتهم وان تصبح قضيتهم الكبرى هو البحث عن قضية .
جرير خلف