قد يتفاجأ البعض من فحوى مقالتي التي تناقض تماما كل ما يقال عن دولة رئيس الحكومة الدكتور عبدالله النسور ، فمعظم ما يُكتب عن دولته هجوما لا هوادة فيه من غالبية الأطياف غير الحكومية ، رغم أننا كلنا يعلم أن دولته قدر الله علينا ، مثلما أن أي رئيس حكومة من قبله ومن بعده قدرٌ ولا رادّ لقدره تعالى ، ف دولة الرئيس أولا وثانيا وعاشرا وألفا مواطن أردني ك أي واحد منا ، وهو ابن الأردن وابن السلط وابن عشيرة من عشائر مملكتنا ، ولم ينزل علينا من القمر أو المريخ أو أي كوكب آخر ، فهو منا والينا شئنا أم أبينا ، هو إنسان ك أي إنسان ، يجتهد ف يخطئ ويصيب ، له إستراتيجيته في الإدارة سواء اتفقنا معه أو اختلفنا ، وله شخصيته القوية التي ربما ينفرد بها من بين رؤساء الحكومات ممن سبقوه ، وأيضا حنكته في الالتفاف على كل نقد يوجه إليه من الشعب وممثليه في مجلس النواب .
وفي واقع الأمر ، لا يعجب الشعب أي قرار أو قانون يصدر عن أي حكومة ، إن لم يكن متوافقا مع مصلحة المواطنين الآنية ، أو إن اقتربت هذه القرارات من جيبه مباشرة ، ولا ملامة على المواطن بذلك ، وقليل منا يرى أن مصلحة الوطن يحب أن تفوق أي مصلحة أخرى ، ولا احد يدّعي هنا ، أن كل ما صدر عن دولته من قرارات وقوانين تعجب الناس ، فلا احد يسعده غلاء الأسعار وفرض ضرائب جديدة بين الحين والآخر ، ولكنه لم يُصدر تلك القرارات والقوانين عبثا ، وخاصة منها تلك التي تمس الحياة اليومية للمواطنين ، ك غلاء الأسعار ورفع الدعم عن بعض السلع ، وفرض سياسة الجباية كما يحلو لنا أن نسميها ، إلا تحت ضغط من مؤسسات دولية لا بد من الاستجابة لها ، ظنا واعتقادا من تلك المؤسسات ، أن شروطها تصب في النهاية لمصلحة الاقتصاد الوطني الأردني ، وعلى أي حكومة أن تستجيب لتلك الشروط التي تفرضها تلك المؤسسات الدولية ، وإلا فلا قروض ولا منح ولا جدولة ديون ، وبنفس الوقت لا يمكن لبلد فقير مثل بلدنا الاستغناء عن خدمات تلك المؤسسات الدولية ، وما قام به دولة الرئيس النسور من رفع للدعم وبعض الإجراءات الاقتصادية ، كان على الحكومات السابقة أن تقوم بها ، ولكن خشيتها على نفسها من رد فعل الشعب وتمسكها بالبقاء في الحكم اطول فترة ممكنة ، قد منعها من ذلك ، فكانت هذه الحكومة الأكثر جرأة في تنفيذ البرامج الاقتصادية المفروضة عليها ، وبالتالي رفع الدعم عن السلع والمحروقات ورفع الأسعار السلعية والكهرباء والمياه ، ضاربة ردود الفعل الشعبية عرض الحائط ، ظنا منها أن تلك الإجراءات ستصب في النهاية في سلة إنعاش اقتصادنا الوطني ، وإذا أردنا أن نلامس الواقع اكثر واكثر ، فانه لا بد من رفع الدعم عن رغيف الخبز المهدور غالبا ، والذي تأكل منه الماشية اكثر مما يأكل منه الشعب .
فيما سبق من أعوام ، كان لا يعجبنا دائما قِصر عمر الحكومات ، واليوم لا يعجبنا ايضا طول عمر حكومة الدكتور النسور ، فبدأ الملل والكلل يصيبنا ، ليس من الحكومة ككل ولكن من شخص الرئيس نفسه ، وذلك بسبب كثرة القرارت والقوانين التي يصدرها ، وكأنه يعمل منفردا دون بقية اعضاء حكومته ، وربما يكون دولته قد ضرب الرقم القياسي في قراراته وقوانينه محطما ارقام كل الحكومات التي سبقته ، وهذا أمر طبيعي بالنظر لطول عمر حكومته ، قياسا بعمر الحكومات السابقة ، مع العلم أن استمرار أي حكومة فترة اطول ، هو في مصلحة الوطن والمواطن ، وخاصة اذا ما قامت الحكومة بوضع خطط وبرامج واستراتيجيات سياسية واقتصادية واجتماعية ، تريد أن تنفذها قبل انتهاء مدة ولايتها ، ولتبني الحكومة التي تليها على ما سبق وتكمل المشوار .
ولأننا نجهل سياسة الحكم في بلدنا ، ولأننا لا ننظر لنظام الدولة إلا من الزوايا الضيقة فقط ، فإننا نتقوّل على دولته ونذّم ونشتم ، وهذا بكل أسف جزء من ثقافتنا ولن نتخلى عن هذا الجزء ، فتلك ثقافة مارسناها بحق من سبقه في رئاسة الحكومة ، وسنمارسها بحق من سيأتي من بعده ، نذم ونقدح ونشتم ونكسب الخطيئة ، ويكسب هو الأجر ، في الوقت الذي لو قارنا بينه وبين من سبقوه في رئاسة الحكومة وحاولنا تقييمه ، لوجدنا انه الأكثر وطنية والأنظف يدا والأصبر على تهجم الشعب والنواب عليه ، وفي عهده تدنى مستوى الفساد المالي ولا ادّعي انعدامه ، وهو ما يحسب له لا عليه ، مع انه لم يعمل على محاسبة الفاسدين إلا الصغار منهم ، ولم يلاحق الفارين منهم خارج البلاد ، ورغم أن حياتنا في عهده ليست وردية ، وما زلنا لم نخطو خطوة واحدة نحو حياة افضل ، ورغم أن جيوبنا خاوية مثقوبة بفضله وبفضل من سبقوه ، إلا أن ذلك كله لا يتحمل وزره دولة الرئيس فقط ، حيث لم نكن من قبله نأكل الكافيار ولا كنا اغنياء مرفهين ، فهو من ورث رئاسة حكومة في بلد منهار اقتصاديا والفساد ينخر اركانه منذ عقود من الزمن ، سنصبر عليك يا دولة الرئيس ، واصبر علينا وما صبرنا جميعا إلا بالله ...