أكثر ما استصعب علي بالإضافة لأحوالنا ومكاننا بين الأمم هو مقدمة هذا المقال فلم اعلم ما سأبتدئ به , كان ثقيلا جدا فقد اكتفينا من الكلام المنمق ورمي الشعارات وهدر الأحبار والأوراق التي ربما لا تصل إلا إلى فئة قليلة , نريد شيئا أعمق , شيئا نشعر حياله بأننا لسنا مجرد رقم زائد في هذا الكون إنما بشر يزيدون, يحق لنا ما يحق لغيرنا ويجب علينا ما هو مفترض من بني البشر-
الإنسان العربي والمسلم بشكل اشمل محاط بدائرة من الاتهامات , فهو إحدى اثنتين إما من يسير مع التيار ويحاول مجاراته ليواكب العصر والتطور ولو كان فيه تجاوزات وظلم على فئات أخرى تحت مسمى ديمقراطية متحضرة تنتهج كافة الوسائل التي لا تمت بالديمقراطية بأي صلة وهنا يشار بأنه عميل مزدوج, الهوية عربية أو إسلامية والفكر غربي دخيل يحاربه جزء من قومه محاولين وضع كل العراقيل بدربه ورفض أي نهج ينتهجه وبنفس الوقت يحذره الغرب ويعتبرونه منشق عن قوميته ودينه فلا يُؤْمَن جانبه فهو متهم في كلتا الحالتين, والنوع الآخر هو الرجعي المتمسك بالقديم البالي الرافض لكل وجهة نظر غربية دخيلة لا تتوافق مع عقيدته ومنهجه وقوميته المطالب لحقوقه وحقوق غيره وهذا يُرْمَى بأنه ثَوْري يسعى للفساد ومقاومة التطور والحضارة فهو بِنَظَر مجتمعه سلبي مرفوض الفكر الداعي للبقاء في دائرة لا مجال للتوسع فيها وبنفس الوقت يجد الأجنبي العدو ضالته في رمي الاتهام مباشرة إليه وحياكة جميع السيناريوهات وتقليب الرأي العام ضده واستخدام كافة الوسائل والطرق السياسية والاقتصادية والإعلامية والضغط المباشر والغير المباشر المباح والمحرم فهو العدو الأول الواجب سن الرماح وتوجيه فُوّهات البنادق نحوه حتى لا يكون له وجود بين البشر .
الاتهامات والإعلام الغربي السلبي بحقنا يتساقط علينا من كل حدب وصوب ونظرات الغل والحقد ترمقنا فنحن وكر للإرهاب وهذا كله لان عقيدتنا وشيمنا العربية تدعو للفضيلة والتمسك بمكارم الأخلاق , وإعادة الحقوق إلى أصحابها , فكان لا بد أن يكون العداء لنا من الجميع حتى من بعض أبناء جلدتنا الذين تشربوا ورضعوا من أثداء الغرب فكرهم ومعتقداتهم البعيدة كل البعد عن شرقيتنا وأخلاقنا .
في مكان ما نجد من يُقَتّل على الهوية بسبب طائفي أو عنصري أو حتى قومي, وآخر يشتم أولياء الله ويُكَفّرهم وغيرهم يهدم ويحرق المقدسات , وآخرون يبيحون دماء إخوتنا تحت شعار الإنقاذ وإحلال ديمقراطية مشبعة بالدماء العربية والمسلمة البريئة وهدم تراث رُفِعَ على أكتاف أسلافنا وتدمير مدن كاملة والادعاء بنوايا البناء والتطور المتحضر من بلاد وأناس لا تاريخ أو أصول لهم.
لا نريد مدينة فاضلة لأنها غير موجودة إلا بأساطير الأولين فنحن ذو طبيعة بشرية ولسنا بملائكة ولكننا نسعى للاحتفاظ بما تبقى من كرامة نرغب بان يكون لنا كياننا الذي انسل منا على مدار العصور بفعلنا وتهاوننا والفتن التي نسجت بيننا وحولنا كما ينسج العنكبوت بيته , والأمر المُطَمْئِن أن هذا النسج المُحاك لنا يشبه بتماسكه بيت العنكبوت لن يلبث إلا ويزول مع أول هبة ريح عاصفة يَهِمّ بها فكرنا العربي المسلم المتعلم الواعي , فأين نحن من هذه الهبة وتلك الهمة؟
كلما حز بنا أمر جلل هبت فينا النخوة والحمية العربية وثرنا كما يثور عود الكبريت عند اشتعاله محدثا لهبا قويا ربما أحرق أصابع من أشعله ولكن لا يلبث هذا العود وان ينطفئ مخلفا وراءه رمادا سرعان ما تذروه الرياح وخلفه سواد متسخ يلوث كل ما حوله - ليس من المستحيل إبدال عود الكبريت المزيف هذا الغريب عن أصالتنا وعروبتنا وإسلامنا فقط المطلوب إخلاص العمل والمصداقية وتكاتف المؤسسات والأفراد والإعلام وفوق كل هذا المظلة الرئيسة الحكومة التي تشكل الوقود الأساسي, فمتى تحقق هذا تحول عود الكبريت إلى شعلة نارية مضيئة لا تنطفئ تحرق كل من يحاول إخمادها وتنير الدرب لأهلها ولكل عابر سبيل يرجو السلام وإحقاق الحق.
Enass_natour@yahoo.com