يماري عاقل فيما للشباب من أهمية بالغة ، في بناء مستقبل الأوطان ورفعة البلدان ، فهم ذلك العنصر الغني بتلك الطاقات الانفعالية والرؤيوية المتوقدة ، وهم تلك القدرات الخصبة التي لو رعت منبتا حسنا ، لأصبحت جوهرا ، وهم تلك المواهب العظيمة الخلابة ، التي لو وجدت اهتماما وتحفيزا ، لما توارت تحت سجوف الثرى .
ولقد أحسن الشاعر حين قال :
فكم قضى العدم على موهبة .............. فتوارت تحت أطباق الثرى .
ألا إنّ الشباب تلك الهمة والعزيمة السامقة ، ومن كانت بدايته مشرقة ، كانت مسيرته مضيئة ، وكان نورا يستضاء به في غياهب الظلمات ، لأنهم شباب النهار ، وبدر حالك الليل ، وربيع الأرض ، ونبض الحياة ، وسياج الأوطان ، وعليهم المُعوّل وبهم تُعقد الآمال ، فمن أهملهم ، فقد شطّ عن جادة الصواب ، ومن اهتم بهم فقد أصاب عين القرطاس ، ولا غرو فالاهتمام بهم ، أمر مما تعقدُ له الخناصر ، وتشدّ له الحيازيم ،لأنهم ذلك الربيع الذي لو هطلت عليه أمطار التوجيه السليم ، سرعان ما تكون عطاء متميزا في التقدم والإنجاز الذي تنشده الأمم الأبية ، لأنهم مرآة المستقبل ، والمؤشر الحقيقي على قدرة الدولة أو ضعفها .
ومن هنا ، أدركت كثير من الدول هذه الحقيقة ، فجعلت جُلّ عنايتها في توجيه الشباب التوجيه الذي يضمن مستقبلا مشرقا ، وإذا ما رجعنا إلى أعطاف التاريخ ،وبخاصة عصر النبوة المحمدية ، لوجدنا أنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد اهتم بالشباب أيّما اهتمام ، وكان أكثر أصحابه شبابا ، فهذا عمر بن الخطاب ، في أول زمن البعثة لم يتجاوز السابعة والعشرين ، وهذا طلحة بن عبد الله لم يتجاوز الرابعة عشرة ، وهذا الزبير بن العوام يبلغ من العمر السادسة عشرة ، وسعد بن أبي وقاص السابعة عشرة ، وأكثر أصحاب النبي كانوا شبابا ، وقد قام عليهم الدين ، وحملوه على أكتافهم ، حتى أعزهم الله ونصرهم ، نعم لقد أقاموا العرب على المحجة ، وقوّموا انحناء ظهر الأمة بعدما طال ليلها ، وهذا القران الكريم يصف من فرّ بدينه خشية الفتنة بأنهم فتية ، فقال : (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) ، وفي موطن آ خر يصف إبراهيم على لسان قومه بالفتى : ( قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ) ،وكثيرا ما كانت العرب تمتدح الشباب والفتوة ، وتلقي على عاتقها كاهل الأمة ، فهذا طرفة يقول في الذود عن بني قومه :
وإذا القومُ قالوا من فتى خلتُ................. أنّني عنيتُ فلم أجبنْ ولم أتبلّدِ .
وهو دليل على بُعد الهمة وعلوّها عند الشباب .
وممّا هو جدير بالقول ، حريّ بأن ينتقل إلى صميم الفعل ، هو إعداد الشباب ورعايتهم ، والاهتمام بهم ، وتحفيز مواهبهم ، وتفعيل إبداعاتهم ، وتنمية قدراتهم ، لأنّ ذلك حقّ لهم ، وواجب على أمتهم ، وفيه فوائد خير مشتركة تعود عليهم وعلى أوطانهم والإنسانية ، لا يمكن حصرها ، أو الإحاطة بها .
أجل ، إنّ توثيق الصلة بين الشباب والعملية الإبداعية وتجلية إبداعاتهم ، وتكريس الجهود الحثيثة ، لتنمية القدرات ، وتوجيهها التوجيه السليم ، قمينٌ بأنْ يأخذ الوطن وأبناء الوطن إلى الطريق القويم ، وجديُر بأن يجعل الوطن وأبناءه في طليعة الأمم الحية والمتحضرة ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وفكريا وروحيا وجسميا ، وعلى هذا الأساس ، يكون الشباب مستعدين لمواجهة التحديات ، ويكونوا قادرين على الالتزام بثوابت أمتهم ووطنهم ، كما يكونوا على قدر المسئولية ، التي ستناط إليهم ، لأنهم حاضر الأمة ومستقبلها .
الدكتور محمود سليم هياجنه .